كيف أسند الفعل إلى النساء في عدم إبداء الزينة متعدياً وهو فعل مضارع: {يُبْدِينَ} ومعلوم أن النهي إذا وقع بصفة المضارع، يكون آكد في التحريم، وهذا دليل صريح على وجوب الحجاب لجميع البدن وما عليه من زينة مكتسبة، وستر الوجه والكفين من باب أولا.
وفي الاستثناء {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} لم يسند الفعل إلى النساء؛ إذ لم يجاء متعدياً، بل جاء لازماً، ومقتضى هذا أن المرأة مأمورة بإخفاء الزينة مطلقاً غير مخيرة في إبداء شيء منها وأنه لا يجوز لها أن تتعمد إبداء شيء إلا ما ظهر اضطراراً بدون قصد فلا إثم عليها، مثل انكشاف شيء من الزينة من أجل الرياح أو لحاجة علاج لها ونحوه من أحوال الاضطرار، فيكون معنى الاستثناء رفع الحرج، كما في قوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
الوجه الثالث: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} والخُمُر جمع خمار، مأخوذ من الخَمْر، وهو الستر والتغطية، ومنه قيل للخَمْر: خَمْراً؛ لأنها تستر العقل وتغطيه، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في (فتح الباري: 8/ 489): «ومنه خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها» انتها.
فيكون معنى {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}: أمر من الله لنساء المؤمنين، أن يلقين بالخمار إلقاءً محكماً على المواضع المكشوفة وهي الرأس والوجه، والعنق، والنحر، والصدر، وذلك بلفّ الخمار الذي تضعه المرأة على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهذا هو التقنع؛ وهذا خلافاً لما كان عليه أهل الجاهلية من سدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما هو قدامها، فأُمِرْن بالاستتار، ويدل لهذا التفسير المتسق مع ما قبله، الملاقي للسان العرب كما ترا، أن هذا هو الذي فهمه نساء الصحابة ـ رضي الله عن الجميع ـ فعملن به، وعليها ترجم الإمام البخاري في صحيحه فقال: «باب: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}» وساق بسنده حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «يرحم الله نساء المهاجرين الأُوَل، لما أنزل