"فالتقييد في المطلقات التي لم يثبت بدليل الشرع تقييدها رأي في التشريع". وقال أيضًا (2/ 140):
"فصل: ومن البدع الإضافية التي تقرب من الحقيقة أن يكون أصل العبادة مشروعًا، إلا أنها تخرج عن أصل شرعتها [بتقييدها] بغير دليل توهمًا أنها باقية على إطلاقها تحت مقتضي الدليل، وذلك بأن يقيد إطلاقها بالرأي أو يطلق تقييدها، ثم أتي في سبيل توضيح ذلك بأمثلة كثيرة مفيدة فليراجعها من شاء التوسع في هذا البحث الهام.
وقال أيضًا في الباب الرابع في مأخذ أهل البدع بالاستدلال (ص 334):
"ومنها تحريف الأدلة عن مواضعها بأن يرد الدليل على مناط فيصرف عن ذلك المناط إلى أمر آخر موهمًا أن المناطين واحد. وبيان ذلك أن الدليل الشرعي إذا اقتضى أمرًا في الجملة مما يتعلق بالعبادات -مثلًا- فأتي به المكلف في الجملة أيضًا كذكر الله والدعاء والنوافل المستحبات وما أشبهها يعلم من الشارع فيها التوسعة كان الدليل عاضدًا لعمله من جهتين: من جهة معناه ومن جهة عمل السلف الصالح به، فإن أتي المكلف في ذلك الأمر بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص أو مكان مخصوص أو مقارنًا لعبادة مخصوصة والتزم ذلك بحيث صار متخيلًا أن الكيفية أو الزمان مقصود شرعًا من غير أن يدل الدليل عليه، وكان الدليل بمعزل عن ذلك المعنى المستدل عليه، فإذا ندب الشرع مثلًا إلى ذكر الله فالتزم قوم الاجتماع عليه على لسان واحد وبصوت [واحد] أو في وقت معلوم مخصوص عن سائر الأوقات لم يكن في ندب الشرع ما يدل على هذا التخصيص الملتزم بل فيه ما يدل على خلافه لأن التزام الأمور غير اللازمة شرعًا شأنها أن يفهم التشريع وخصوصًا مع من يقتدى به في مجامع الناس كالمساجد، فإنها إذا ظُهِّرت هذا الإظهار ووضعت في المساجد كسائر الشعائر التي وضعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المساجد وما أشبهها كالأذان ... فهم منها بلا شك أنها سنن إذا لم تفهم منها الفرضية، فأحرى أن لا يتناولها الدليل المستدل به، فصارت من هذه الجهة بدعًا محدثة بذلك".