تدبيرات الله تعالى اللطيفة، لكي تظهر حقائق النفوس وقيمها العلمية! فقال حضرته (ص 13):
"وكيف استدل على ذلك بأثر ابن مسعود؛ بإسناد فيه الصلت وهو مجهول".
قلت: الصلت هذا هو ابن بهرام كما جاء مصرحًا به في سند الأثر نفسه ونقله الشيخ ذاته عني في رسالته (ص 12)، فحكم الشيخ عليه بالجهالة من العجائب التي لا تنقضي! ذلك لأنه قول لم يسبقه إليه أحد مطلقًا، فالرجل ثقة اتفاقًا، فقد ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 1/ 438) وروي توثيقه عن أحمد وابن معين، وعن ابن عينية أنه قال فيه: "أصدق أهل الكوفة". ووثقه غير هؤلاء أيضًا كالبخاري وغيره، فمن شاء الوقوف على ذلك فليراجع "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر (3/ 194).
وهذا الخطأ من فضيلة الشيخ مثال من الأمثلة الكثيرة على أن فضيلته لا يوثق بعلمه مطلقًا في علم الحديث وتراجم الرجال، ولا يكفي فيه الصلاح والتقوى كما قد يظن بعض المغفلين! بل لا بد مع ذلك من اليقظة والنباهة وعدم الغفلة، فإن كل مشتغل بهذا العلم الشريف على علم بما قاله المحدثون في بعض الصالحين! فقال ابن عدي: "سمعت أحمد بن خالد يقول: كان وهب بن حفص من الصالحين مكث عشرين سنة لا يكلم أحدًا (! ) قال أبو عروبة: كان يكذب كذبًا فاحشًا. وعن يحيى بن سعيد القطان قال: "ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير والزهد" (?).
قلت: وذلك لكثرة غفلتهم وحسن ظنهم بكل من يحدثهم أو ينقل لهم من الكتب، وأنا أخشى أن يكون الشيخ وقع في مثل هذا، فقد علمت أنه يكلف بعض الطلبة ممن لا علم لهم بالحديث والتراجم أن يراجعوا له بعض الكتب في المكاتب