بينت فيما سلف أن فضيلة الشيخ الحبشي لم يستطع أن يثبت صحة ذكر الحصى أو النوى في حديث سعد وصفية، وأن غاية ما فعل أنه أثبت صحة الحديثين في الجملة، وذكرت أنا أن هذا القدر لا نزاع فيه لصحة ذلك في حديث جورية عند مسلم. وبناء على ذلك أقول: إن حكمي السابق بأن صاحبة القصة هي جويرية وأن ذكر النوى فيها منكر لا يزال قائمًا ضرورة عدم ثبوت ذكر الحصى فيها وأن من ناحية القصة في صفية، ولا يوهن من هذا الحكم ما سوده الشيخ في رسالته (ص 26 - 28) فإنه كلام لا طائل تحته، لأنه قائم على أساس ما توهمه من صحة ذكر الحصى أو النوى في الحديث، ولما كان هذا غير صحيح فمن البدهي أن يسقط كلامه المشار إليه برمته.
غير أنه قد جاء في صدد كلام الشيخ المشار إليه جملة، نسب فيها إلى الحافظ ابن حجر ما لم يقله، ذلك أنه اعترض على حكي السابق بأنه
"مبني على توحيد الحديثين، وقد أثبت الحافظ تغاريرهما".
وجوابًا على هذا أقول:
إن ما نسبته الحافظ لم تذكر المصدر الذي استندت عليه فيه، وأنا أقطع أن ذلك فهم منك بناء على ما توهمته أنت من أن تحسين الحافظ للحديث معناه تحسين منه لكل جملة، بل وكل لفظة وردت فيه، وليس الأمر كذلك كما سبق بيانه بالحجة المقنعة ويؤيد هذا ما ذكره ابن علان في"شرح الأذكار" تحت حديث سعد المتقدم بلفظ: أنه دخل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على امرأة وبين يديها نوى أو حصى. الحديث قال ابن علان (1/ 245):
"قال صاحب السلاح: فيحتمل أن تكون المرأة المبهمة في الحديث في صفية .... قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن تكون جويرية".