يثبت عن أحد منهم أنه اتهم أبا هريرة رضي الله عنه. وقد تقدمت الآثار عن بعض الصحابة رضي الله عنهم في الثناء على أبي هريرة رضي الله عنه ووصفه بالحفظ وفيها أبلغ رد على من زعم أنه أول راوية اتهم في الإِسلام (?).
وأما قوله ولما قالت عائشة إنك لتحدث حديثاً ما سمعته من النبي - ص - أجابها بجواب لا أدب فيه ولا وقار إذ قال لها كما رواه ابن سعد والنجار «صوابه البخاري» وابن كثير وغيرهم شغلك عنه - ص - المرآة والمكحلة, وفي رواية ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب ولكن أرى ذلك شغلك عنه.
فجوابه من وجهين أحدهما أن يقال ليس في جواب أبي هريرة رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها ما يخل بالأدب والوقار إذ ليس فيه بذاء ولا فحش وليس في ذكر اشتغال المرأة بالمرآة والمكحلة والخضاب ما تستحي منه المرأة وتخجل من ذكره حتى يقول المبطلون إن ذكر أبي هريرة رضي الله عنه لذلك لا أدب فيه ولا وقار.
وقد تقدم في أثناء الفصل الذي قبل هذا الفصل أن أبا هريرة رضي الله عنه لما قال لعائشة رضي الله عنها إنه والله ما كانت تشغلني عن النبي صلى الله عليه وسلم المكحلة والخضاب ولكن أرى ذلك شغلك عما استكثرت من حديثي قالت لعله - أي لعل الأمر كما ذكرت يا أبا هريرة - وفي رواية أنها سكتت, وهذا يدل على أنها لم تر فيما قاله أبو هريرة رضي الله عنه بأسا. ولو كان في كلامه ما يخل بالأدب والوقار لأنكرت ذلك عائشة فإِنها كانت معروفة بالصرامة وقوة العارضة.
الوجه الثاني أن يقال إن سوء الأدب وعدم الوقار في الحقيقة هما في مكابرة المؤلف وأبي رية في رد الحديث الصحيح الدال على تفضيل عائشة رضي الله عنها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام, وقد زعما أن هذا الحديث موضوع مع أنه ثابت في الصحيحين من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه, ومروي أيضاً في غير الصحيحين عن أنس بن مالك وأبي موسى وعائشة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وقرة بن إياس المزني رضي الله عنهم, وأسانيد هذه الأحاديث ما بين صحيح وحسن, وقد تقدم إبرادها في أثناء الكتاب فلتراجع (?) ففيها أبلغ رد على المؤلف وأبي رية.