والجواب أن يقال هذا الكلام نقله المؤلف من كتاب أبي رية وقد جعل المؤلف نفسه مع أبي رية بمنزلة الأعمى يتابعه خطوة خطوة في كثير من ترهاته وما ينقله من كلام الناس وينقاد معه إلى مهاوي الغي والضلال.
والكلام على ما في هذا الفصل من وجوه أحدها أن يقال إن أبا رية لخص كلام ابن خلدون وغير فيه وزاد, وأنا أذكر كلام ابن خلدون ليعلم الواقف عليه أن أبا رية غير مأمون في النقل وأنه يحرف فيما ينقله ويزيد فيه على حسب ما يمليه عليه شيطانه وهواه, وهذا نص كلام ابن خلدون وقد ذكره في علوم القرآن من مقدمته في صفحة (348) فقال, وصار التفسير على صنفين تفسير نقلي مسند إلى الآثار المنقولة عن السلف وهي معرفة الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ومقاصد الآي وكل ذلك لا يعرف إلا بالنقل عن الصحابة والتابعين وقد جمع المتقدمون في ذلك وأوعوا إلا أن كتبهم ومنقولاتهم تشتمل على الغث والسمين والمقبول والمردود. والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية وإذا تشوفوا إلى معرفة شيء مما تشوف إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود فإِنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى.
وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام وأمثالهم فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم وفي أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم وليست مما يرجع إلى الأحكام فيتحرى في الصحة التي يجب بها العمل ويتساهل المفسرون في مثل ذلك وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات وأصلها كما قلنا عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية ولا تحقق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك إلا أنه بعد صيتهم وعظمت أقدارهم لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة فتلقيت بالقبول من يومئذ انتهى المقصود من كلام ابن خلدون. وقد صرح فيه أن المنقول عن أهل الكتاب ليس مما يرجع إلى الأحكام الشرعية التي يحتاط لها ويتحرى فيها الصحة وإنما هي مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك, وقد قال النبي