بحفظ الأحاديث أشد الاعتناء. وكان أبو هريرة رضي الله عنه قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء, جزءاً لقراءة القرآن وجزءاً ينام فيه وجزءاً يتذكر فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, ذكره ابن كثير في البداية والنهاية.
وذكر أيضاً عن حماد بن زيد حدثنا عمرو بن عبيد الأنصاري حدثنا أبو الزعيزعة كاتب مروان بن الحكم أن مروان دعا أبا هريرة فأقعدني خلف السرير وجعل مروان يسأل أبا هريرة وجعلت أكتب عنه حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به وأقعده من وراء الحجاب فجعل يسأله عن ذلك الكتاب فما زاد ولا نقص ولا قدم لا أخر. وقد رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإِسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وقد سمع عروة بن الزبير عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يحدث بحديث رفع العلم فحدث عروة عائشة رضي الله عنها بذلك فأعظمت ذلك فلما كان بعد عام حج عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فأمرت عائشة رضي الله عنها عروة أن يسأله عن حديث رفع العلم قال فلقيته فسألته فذكره على نحو ما حدثني به في مرته الأولى فأتيت عائشة فأخبرتها فعجبت وقالت والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو, وفي رواية قالت ما أحسبه إلا قد صدق أراه لم يزد فيه شيئاً ولم ينقص, وهذا الحديث مخرج في الصحيحين بلفظ أبسط من هذا.
وهذا الذي ذكرته نموذج من عناية الصحابة بالحديث وحرصهم على حفظه, وجميع علماء الصحابة كانوا على غاية من الحفظ والإِتقان لما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم وما سمعه بعضهم من بعض.
وقد كان التابعون وتابعوهم وأئمة العلم والهدى من بعدهم يعتنون بالحديث غاية الاعتناء ويتحفظونه كما يتحفظون القرآن. وقد ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ عن الإِمام أحمد أنه قال كان قتادة لا يسمع شيئاً إلا حفظه قرئت عليه صحيفة جابر مرة فحفظها, وذكر غيره عن قتادة أنه قرأ مرة سورة البقرة فلم يخطئ حرفا ثم قال لأنا لصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة.
وكان كثير منهم يحفظون ويكتبون ومنهم من يحفظ ولا يكتب. وقد تقدم قريبا (?) ما ذكره حاشد بن إسماعيل أنهم عرضوا على البخاري ما كتبوه عن مشايخ