وأبو طالب جالس في ناحية المسجد. إنما جاءهم لأن الله كان قد أطلع رسوله على أمر الصحيفة، وأنه أرسل عليها الأرضة (?) ، فأكلت جميع ما فيها من جوى وقطيعة وظلم إلا ذكر الله عز وجل، فأخبر بذلك عمه، فخرج إلى قريش فأخبرهم أن ابن أخيه قد قال كذا وكذا، فإن كان كاذبا خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا، قالوا: قد أنصفت.
وبعد أن دار الكلام بين القوم وبين أبي جهل، قام المطعم إلى الصحيفة ليشقها، فوجد الأرضة قد أكلتها إلا «باسمك اللهم» . وما كان فيها من اسم الله فإنها لم تأكله.
تم نقض الصحيفة، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب، وقد رأى المشركون آية عظيمة من آيات نبوته، ولكنهم كما أخبر الله عنهم، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (54: 2) أعرضوا عن هذه الآية وازدادوا كفرا إلى كفرهم (?) .
قال السهيلي: كانت الصحابة إذا قدمت عير إلى مكة، يأتي أحدهم السوق ليشتري شيئا من الطعام قوتا لعياله، فيقوم أبو لهب، فيقول: يا معشر التجار، غالوا على أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم حتى لا يدركوا معكم شيئا، وقد علمتم مالي ووفاء ذمتي، فأنا ضامن، لا خسارة عليكم، فيزيدون عليهم في السلعة قيمتها أضعافا حتى يرجع أحدهم الى أطفاله وهم يتضاغون من الجوع، وليس في يده سيء يطعمهم به، ويغدو التجار على أبي لهب فيربحهم فيما اشتروا من الطعام واللباس، حتى جهد الؤمنون ومن معهم جوعا وعريا.
وعن سعد بن أبي وقاص قال: خرجت ذات ليلة لأبول، فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتها وغسلتها، ثم أحرقتها، ورضضتها بالماء، فقويت بها ثلاثا.