الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذرية إسماعيل، وضئضيء معدّ، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته، وسوّاس حرمه، وجعله لنا بيتا محجوجا، وحرما آمنا، وجعلنا حكام الناس.
ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل من قريش إلا رجح عليه برا، وفضلا، وكرما، وعقلا، ومجدا، ونبلا، وإن كان في المال قلّ، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مسترجعة، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليل! وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعليّ.
ولخمس وثلاثين سنة من مولده صلّى الله عليه وسلم قامت قريش ببناء الكعبة، وذلك لأن الكعبة كانت رضما فوق القامة، ارتفاعها تسعة أذرع من عهد إسماعيل، ولم يكن لها سقف، فسرق نفر من اللصوص كنزها الذي كان في جوفها، وكانت مع ذلك قد تعرضت- باعتبارها أثرا قديما- للعوادي التي أوهت بنيانها، وصدعت جدرانها، وقبل بعثته صلّى الله عليه وسلم بخمس سنين جرف مكة سيل عرم، انحدر إلى البيت الحرام، فأوشكت الكعبة منه على الانهيار، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصا على مكانتها، واتفقوا على أن لا يدخلوا في بنائها إلا طيبا، فلا يدخلوا فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس، وكانوا يهابون هدمها، فابتدأ بها الوليد ابن المغيرة المخزومي، وتبعه الناس لما رأوا أنه لم يصبه شيء، ولم يزالوا في الهدم حتى وصلوا إلى قواعد