وقد اعتنق النصرانية العرب الغساسنة وقبائل تغلب وطيء وغيرهما لمجاورة الرومان، بل قد اعتنقها بعض ملوك الحيرة.
أما المجوسية فكان معظمها في العرب الذين كانوا بجوار الفرس، فكانت في عراق العرب وفي البحرين- الأحساء- وهجر وما جاورها من منطقة سواحل الخليج العربي، ودان لها رجال من اليمن في زمن الاحتلال الفارسي.
أما الصابئية فقد دلت الحفريات والتنقيبات في بلاد العراق وغيرها أنها كانت ديانة قوم إبراهيم الكلدانيين، وقد دان بها كثير من أهل الشام، وأهل اليمن في غابر الزمان، وبعد تتابع الديانات الجديدة من اليهودية والنصرانية تضعضع بنيان الصابئية وخمد نشاطها، ولكن لم يزل في الناس بقايا من أهل هذه الديانة مختلطين مع المجوس، أو مجاورين لهم، في عراق العرب، وعلى شواطئ الخليج العربى (?) .
كانت هذه الديانات هي ديانات العرب حين جاء الإسلام، وقد أصاب هذه الديانات الإنحلال والبوار، فالمشركون الذين كانوا يدعون أنهم على دين إبراهيم كانوا بعيدين عن أوامر ونواهي شريعة إبراهيم، مهملين ما أتت به من مكارم الأخلاق. فكثرت معاصيهم، ونشأ فيهم على توالي الزمان ما ينشأ في الوثنيين من عادات وتقاليد تجري مجرى الخرافات الدينية، وأثرت في الحياة الإجتماعية والسياسية والدينية تأثيرا بالغا جدا.
أما اليهود فقد انقلبت رياء وتحكما، وصار رؤساؤها أربابا من دون الله، يتحكمون في الناس ويحاسبونهم حتى على خطرات النفس وهمسات الشفاه، وجعلوا همهم الحظوة بالمال والرياسة، وإن ضاع الدين وانتشر الإلحاد والكفر والتهاون بالتعاليم التي حض الله عليها وأمر كل فرد بتقديسها.
وأما النصرانية فقد عادت وثنية عسرة الفهم، وأوجدت خلطا عجيبا بين الله والإنسان، ولم يكن لها في نفوس العرب المتدينين بهذا الدين تأثير حقيقي، لبعد تعاليمها عن طراز المعيشة التي ألفوها، ولم يكونوا يستطيعون الإبتعاد عنها.
وأما سائر أديان العرب فكانت أحوال أهلها كأحوال المشركين، فقد تشابهت قلوبهم، وتواردت عقائدهم، وتوافقت تقاليدهم وعوائدهم.