المتناهي. وحقيقة كنت أقرأ في وجوههم آيات الإخلاص والصدق وكانت نفسي لا تحدّثني بغير ذلك فيهم.

وَالعينُ تَعلَمُ من عَيني محدّثها ... إن كانَ من حزبها أَو مِن أَعاديها

ولم نلبث، بعد أن خرجوا من عندنا وخرج عطوفة الوالي أيضاً، إلا برهة صغيرة، ثمّ وصل إلينا أن دولة ناظم باشا قد حضر إلى الفندق بقصد زيارتنا، فاهتممت جدّاً بزيارة هذا الرجل الكبير المحبوب. وعندما اِستشعرت بقدوم دولته، ذهبت مسرعاً لاستقباله على سلّم الفندق. وكانت هذه أوّل مرّة تقابلت فيها مع دولته، فسلّمت عليه، وذهبت به إلى ردهة الاستقبال، حيث جلسنا نتحدّث، آونة في بعض الشؤون العامة، ومرّة في بعض الأحوال الخاصّة، حتّى انتهى بنا الحديث إلى ذكر القلاقل والصعوبات الكثيرة الّتي توجد الآن في جهة العراق من جرّاء الحوادث الأخيرة. ذلك كان لمناسبة أنّ دولة الباشا سيسافر من حلب إلى مركز وظيفته في تلك الجهات، حيث أنّ دولته والي بغداد والموصل وديار بكر. وقد ذكر لي في خلال حديثه أنه يعرف الجناب العالي الخديوي، وأنه يحبّ كثيراً نجل عمّنا دولة الأمير عزيز باشا حسن، المستخدم في الجيش العثماني. وقد كنت كلّما تغلغلنا في الكلام وتبادلنا أطراف الحديث في المسائل المهمّة، أجد في ذلك الرجل العظيم نباهة زائدة وذكاء حادّاً وعلماً غزيراً. أمّا هو فكان شيخاً أبيض

اللحية والرأس، وعسكرياً بكلّ معاني الكلمة، وكانت تبدو على وجهه مع السماحة والبشاشة سيمياء القوة والشجاعة. وعندما أراد الانصراف قمنا فودّعناه بما يليق بمقامه الجليل من الحفاوة والتبجيل شاكرين له خفّته إلى زيارتنا في الفندق على أثر حضورنا.

ردّ زيارة

ولم نمكث بعد ذلك إلا حيث تهيّأنا للخروج وأعددنا له عدّته، ثمّ قصدنا إلى منزل عطوفة فخري باشا، الوالي، لنردّ لدولته ودولة ناظم باشا ضيفه الكريم زيارتهما. وقد لبثنا لديهما مدّة غير قصيرة، دار حديثنا في أثنائها على موضوعات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015