صرنا والحمد لله عند مدينة حمص بلد صاحبنا الكريم عبد الحميد باشا الدروبي، فسرّنا أن حقّق الله رغبتنا في زيارته وأعاننا على إجابة دعوته. وقد تركنا وراءنا مدينة بعلبك العتيقة وقلعتها الغريبة الّتي حوت من الآثار ما يدهش الألباب ويحيّر الأفكار، والّتي ما رأينا في بلاد الدنيا أضخم من حجارتها وعمدها، ولا أبدع من نقوشها وصورها ولا أحكم من وضعها وبنائها.
بناءٌ يَخافُ الدهرُ منهُ وكلّ ما ... عَلى الأرضِ يَخشى دائماً سطوةَ الدهرِ
لقد كّنا إذ دخلناها وإذ خرجنا منها في حيرة الضب وأشدّ، لا ندري كيف وصلت أفكار بني آدم إلى تشييد مثل هذا البناء وإحكام سافاته، على سعة مساحته وبعد
مسافاته وكيف أمكن لهم أن يقتلعوا تلك الأحجار الضخمة والأعمدة الفخمة ويجرّوها من مقالعها إلى مواضع البناء وربّما وجد منها ما تبلغ مساحته 300 متر مكعّب أو 400 متر كحجر الحبلى الهائل الّذي لا يزال إلى اليوم قائماً بجانب الجبل، كأنّه يدلّ السائح على مقلعه ويرشده إلى موضعه ولسان حاله يقول:
يا أيُّها الحَيرانُ في أمرِ الأُلى ... قَد أَدهَشوكَ بِأَعجبِ الآثارِ
في بَعلبك رَأيت أبهرَ قلعةٍ ... تَتلو عليكَ غَرائبَ الأخبارِ