مرّ بنا القطار في سهل البقاع الّذي سبق الكلام عليه حتّى وصل إلى محطّة الرياق الّتي أسلفنا أنّ القطار يقف عندها زمناً يكفي المسافر لأخذ غايته من طعام الغداء. وقد كانت المسافة من هذه المحطّة إلى مدينة بعلبك أقرب مسافة بين المحطّات. ورأينا في اِنتظارنا على إفريزها سعادة عبد الحميد باشا الدروبي، لمناسبة أنّنا كنّا وعدناه بزيارتنا له في مدينة حمص الّتي هي بلده وهو سيّدها وأكبر واحد فيها. وكان معه في اِستقبالنا قائمقام بعلبك وحضرة مطران بك أحد أسرة مطران الشهيرة في بلاد الشام، وإن شاء الله سنذكر نبذة من تاريخ هذه الأسرة الفخيمة. وبعد أن تناولنا جميعاً طعام الغداء الّذي كان مجهّزاً مع جميع أدواته نزلنا في القطار الّذي ما فتئ يعبث بالأرض وينفذ كالسهم في كبد الفضاء حتّى وصل إلى محطّة بعلبك. وكان الزمن الّذي اِستغرقناه في طول المسافة بين الرياق وهذه
المحطّة لا يزيد عن ثلاثة أرباع الساعة.
مدينة بعلبك
هذه المدينة ترتفع عن سطح البحر نحو 1170 متراً، وهي قائمة في الجانب الشرقي من وادي الليتاني وهو وادٍ خصب التربة جيّد المعدن جدّاً. ثمّ إنّ هذه المدينة، وإن كانت قديمة التاريخ مشهورة في سورية، غير أنّها صغيرة لا يزيد عدد سكّانها عن خمسة آلاف ومائتي نفس، خمسهم من طوائف المسيحيين. وهي قصبة قضاء باسمها تابع لواء دمشق، وفيها حامية صغيرة، وديران روميان وآخران مارونيان، ومدرستان للبنات: إحداهما لراهبات القدّيس يوسف، والأخرى للبعثة الإنجليزية. وفيها أيضاً مساجد ومزارات لبعض الأولياء، وروضة أنيقة، ونبع يسمّى برأس