وأصحاب الحيثيات الكبيرة، فيها وقد كنّا تهيأنا للسفر فما زال هؤلاء الكرام معنا حتّى ذهبنا إلى المحطّة.
جلسنا هناك في غرفة الاستراحة بين الذين كانوا جاؤوا إلى المحطّة للاحتفال بوداعنا مسافة نتبادل الحديث، وفي تلك الأثناء جاء إلينا أحد موظفي الحكومة يحمل معه سلام دولة الوالي واعتذاره إلينا عن عدم حضوره بذاته بأنّه مريض لا يستطيع السير إلى المحطّة، فشكرنا له هذه العناية الجليلة والأريحية الجميلة وقلنا لذلك المندوب على مسمع من كلّ الحاضرين: إن شاء الله سيزول مرض الوالي ويحصل له تمام الشفاء والنشاط، عندما نفارق هذا البلد ونسافر. ولمّا آذن القطار بالرحيل قمت فودّعت جميع الّذين كانوا قد حضروا لتوديعنا من علية القوم، وحينئذ كنت أسمع منهم عبارات الأسف الشديد ممّا كان حصل من الوالي أولاً وآخراً، فأجبتهم بأنّي ما جئت إلى بلاد الشام لزيارة الحكومة ولا رجالها، وأنه عندي يستوي أن أرى عناية الحكومة واحتفالها وأن لا أرى شيئاً أصلاً، لأنّ الحكومة كلّ الناس يعرفون أنّها كالأعراض دائماً متغيّرة لا تثبت على حال واحدة، وأنّها تتقلّب على مبادئ مختلفة تلتئم مع الظروف الحاضرة مثل السفينة الّتي تجري في البحر على حسب ما تقتضيه الرياح وتشتهيه الأهوية وقد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وإنّما جئت بلاد الشام لا أقصد إلا زيارة أهلها واكتساب معرفتهم ومحبّتهم. وحسبي أنّي، والحمد لله، اجتمعت في هذه الرحلة
السعيدة بأمثال حضراتكم، فسأعود الآن من سفري هذا إلى بلادي بأكبر غنيمة وأربح صفقة. قلت لهم ذلك، وأنا لا أقدّر ما كان يختلج في صدري من السرور ولا أستطيع أن أعرب عن اِمتناني ممّا لاقيته من عناية أولئك القوم الّتي كانت ألمع برهان على شدّة تعلّقهم بنا وإخلاصهم لنا ولأسرتنا، كيف وإنهم سادة البلاد وأصحاب الشأن والكلمة فيها. على أنّي ختمت مقالتي لهم بأنّه لا ينبغي للإنسان أن يمتعض من الحاكم ويغتاظ عليه لمثل هذا الأمر قبل أن يتبيّن سببه، لعلّ له عذراً وأنت تلوم، وما يدرينا إذا كان الوالي