عزمي على اِرتيادها. وكان يجيء في غضون حديث القوم عن وصف تلك البلاد ذكر الخيل المحكّمة الخلقة الكريمة الأصل وأنّها في تلك الجهات تمتاز كثيراً عن غيرها بسرعة العدو واِعتدال الصورة وكبر القامة، فكان ذلك يزيد في تنشيطي ويقوّي من عزيمتي سيما وأنّي مولعٌ بالخيل ولي غرام عظيم باقتنائها. كما أنّي أميل كلّ الميل إلى الشجاعة والشجعان وأحبّ ملء قلبي الفروسيّة والفرسان. وكان فيما سمعته من غير واحد أنّ بعض الطوائف في تلك البقاع يحسنون اِختيار الخيل ويجيدون ركوبها على أتمّ ضروب الفروسيّة وأكمل خواصّها، وأنّ أخصّهم في هذا المعنى وأشهرهم به فوارس الدنادشة وأبطال العكاكرة.
هما قبيلتان يقال إنّ الأولى منهما أصل جدّها من اليمن ونزل حوران منذ ثلاثة قرون، ثمّ هاجروا من حوران وسكنوا برج الدنادشة فوق تل كلخ مقرّهم الحالي. وكان زعيمهم إذ ذاك يسمى الشيخ إسماعيل، ولقّبه التركمان جيرانه باسم دندشلي، لأنّه كان يزين خيله بعذبات مرسلة تسمّى دنادش. ثمّ رحل شقيقه مع بعض قبيلته إلى حوران وهم الفُحيليون إلى الآن، وزعيمهم مقيم في تل كلخ، ثمّ هم مسلمون سنيّون ولهم ولعٌ غريبٌ بالفروسيّة، ولهم أيضاً عقارات واسعة في سهل البقيعة. وهناك طائفة من المتاولة تسمّى الدنادشة أو بني دندش ويقيمون في عكّار وما يجاور الهرمل وحمص. ولعلّ العكاكرة قبيلة من هؤلاء تنسب إلى عكّار البلد المذكور هذا. وكم كنت أشعر باِرتياح نفسي واِنشراح صدري حينما كنت أذكر مروري بين آثار المتقدّمين، وما عساه أن يكون قد غفلت عنه عين الدهر وأخطأته يد الدّمار من مخلّفات الحروب الّتي تعاقبت على تلك البلاد زمناً طويلاً، خصوصاً من يوم أن فتحها المسلمون إلى أن صارت في أيدي العثمانيّين. نعم، ولعلّي أستطيف حول مواقع الحروب الصليبيّة لأنظر تلك القلاع المتينة، والحصون المكينة الّتي لا تزال تنم على فضل مؤسّسيها نمّ الزجاجة على ما فيها. وهناك تتجلّى مدينة الشرق أوّل أمرها في ما لا يزال يناطح الدّهر إلى اليوم بل حتّى آخر الزمان من آثار العمالقة الأولى