المستقبلين. أمّا أنا فمذ سمعت ذلك العذر العجيب صمّمت على أن آخذ مركبي من غير تلك العربة المستعارة، لذلك لم أجبه إلى طلبه وقلت له: إنه ليجدر بمن لم يكن سفره رسمياً أن لا يتعاطى شيئاً من الرسميات مطلقاً، ومن ثمّ لا أخالف تلك الخطّة وأركب عربة تجعل لي تلك الصفة في بلدكم. وقد كنت وأنا أحدثه ألاحظ أن حركته ولهجته في الكلام أشبه بحركات ولهجات الغربيّين منها بالشرقيّين، وأنّه لا يعلم إلا الله مقدار اِستغرابي وعجبي ممّا وجدته في اِستقبال ذلك الشاب، عندما صافحني مصافحة النظائر والأنداد وخاطبني وهو يهزّ يدي بما كان لا يقل عن خطاب كبير من الكبراء وأمير من الأمراء إلى غير ذلك ممّا كان لا يجمل بالمعاملة ولا يتفق هو والتقاليد الّتي تقتضيها حالة الشرق وتستدعيها عادة البلاد. وكيف لا أعجب عجباً شديداً، ولم يسبق لي أن أرى مثل هذه المقابلة من أحد، حتّى ولا من نفس الأمراء والعظماء في البلاد المتمدّنة الّتي يزعم الناس أنّها بلاد الحريّة والمساواة، لولا أنّ ذلك الناشئ بادرنا بشرح وظيفته وتعريف نفسه، ما كنّا شككنا أنّ الّذي كان يستقبلنا ويهزّ يدنا هزّاً هو حاكم الشام نفسه. على أن جميع الناس الذين قابلناهم قبل هذا فيما تركناه وراءنا من البلاد

الشاميّة كانوا غاية في اللطف والأدب عارفين وزن أنفسهم، ثمّ هم لا يزالون محتفظين بتقاليد الشرق وأخلاقه.

خرجنا من المحطّة فركبنا من العربات ما كان لنا منه الكفاية، وقصدنا توّاً إلى فندق فكتوريا الّذي اِخترناه لنزولنا مدّة إقامتنا في دمشق حيث هو أجمل فندق في تلك المدينة. ولم يكن ليصادفنا في الطريق الّذي كنّا نمرّ منه ما كان يلفت نظر السائح نحوه غير تكيّة للمولوية وذلك النهر العظيم، نهر بردى الّذي يمرّ في وسط المدينة أشبه بنهر السين في وسط باريس، وأنه لقد سرّني كثيراً منظره الجميل وحسن موقعه بين المزارع والبساتين. وكانت المسافة منذ ركبنا العربات حتّى وصلنا النزل لا تتجاوز الدقائق إلى الساعات. وهناك وجدنا عند مدخل الفندق صاحبه الّذي كان ينتظرنا ليهدينا إلى الحجرات الّتي خصّصت لنا فيه. ولم يمض على جلوسنا هناك أكثر من ربع الساعة حتّى شرّفنا الوالي بزيارته مرتدياً إذ ذاك لباساً عسكرياً فاستقبلناه وجلسنا نتحدّث، فأفهمنا في غضون حديثه أنّه كان لا يستطاع إعمال شيء في ما يتعلّق باستقبالنا عند موقف القطار أكثر ممّا حصل حيث لم يكن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015