115 كيلومتراً. وكان في الطريق، بين سوق بردى ومحطّة التكيّة، قرية اِشتهرت بكثرة الفاكهة وجودتها. ويقال إن جميع الفواكه المشهورة في بلاد الشام من أوّلها إلى آخرها توجد في حدائق هذه القرية. أمّا سوق بردى ففيه عدّة مغائر وكهوف، يذكر أنّها كانت تسكنها الناس قديماً، حتّى زعم بعض المؤرّخين أنّ هذه البلدة هي الّتي كانت فيها حادثة قتل هابيل لأخيه قابيل. ولعلّ هذا الزعم نشأ للمؤرّخ من أن هذا البلد واقع على مكان المدينة القديمة الّتي كانت تسمّى في عهد البطالسة أبيلة. ثمّ تمرّ السكّة الحديديّة من بعد هذه المحطة على دير قانون حتّى تصل إلى عين الفيجة، وهي ذات مجرى جميل يصبّ في نهر بردى ومركزها الطبيعي بين المزارع والأشجار، ممّا يسرّ الأفئدة ويبهج الأنظار. وهناك يسير القطار على شاطئ نهر بردى، تكتنفه الزروع وتحيط به من الجانبين بساتين نضيرة وأشجار غزيرة حتّى يصل إلى محطّة الجديدة. وهذه الجهة لا تبلغ في العلو عن سطح البحر مبلغ الجهات قبلها. ثمّ يبارحها القطار متّجهاً إلى محطّة الحامي، وعندئذٍ تتّصل السكّة الحديديّة بطريق دمشق القديم الّذي أسلفنا أنّه كان لمرور العربات، قبل وضع الخطوط الحديدية على أرض تلك البلاد. ثمّ يرسو عند محطّة دمّر، وهي واقعة على مسافة 137 كيلومتراً من بيروت. ثمّ هي بلدة صغيرة ولكنّها من المنتزّهات الصيفيّة وتعمر كثيراً في مدّة الحرّ، حيث أن أعيان الشام وأسره الكبيرة يقصدون إليها ليقضوا فيها فصل الصيف، ولهم فيها من أجل ذلك عدّة مساكن وبساتين جميلة. ومن هناك تظهر مآذن دمشق وتبدو طلائعها مبشّرة بقربها، ويرى
المسافر على يمينها جبل قسيون وعلى يسارها تلول كلبات المزّة. وإلى هنا ينتهي طريق السير من بيروت إلى مدينة دمشق، ويفارق المسافر جبال لبنان ومناظرها الّتي كانت على طول هذا الطريق تختلف طرباً وتتفاوت حسناً وعجباً. وينبغي أنّنا لا نودّع هذا الجبل حتّى نذكر بعض معلوماتنا فيه تتميماً للرحلة وقد كانت في طريقه طويلة جميلة.
تمتدّ سلسلة جبل لبنان من الشمال الشرقي إلى أواسط سوريّة إلى الجنوب الغربي