فشربنا القهوة. وبعد ذلك شكرنا لدولة المتصرّف وجناب قرينته المصونة ومن كان معهما في هذه الحفلة الشائقة ما أظهروه من العناية في إكرامنا والاحتياط بجميع الوسائل لراحتنا، ممّا جعلنا لا ننسى لهم جميعاً هذا اللّطف والمعروف أبداً. وقد خرجنا من عندهم مودّعين بغاية الحفاوة والاحترام.
ومن هنالك ذهبنا حيث كانت الساعة أربعة بعد الظهر قاصدين على رأس النبا إجابة لدعوة رئيسَي البلدية في مدينة بيروت. وقد كانا أعدّا لنا مأدبة شاي جميلة في حديقة الحريّة، وهي في باب سراي الحكومة، وكانت تسمّى بالحديقة الحميديّة منذ عشرين سنة. ثمّ هي حديقة عامّة واقعة في وسط المدينة، وتشبه حديقة الأزبكيّة من حيث يقصد النّاس إليها للتروض والفسحة. وقد زخرفها المجلس وزيّنها من أجل الاحتفال بنا زينة بديعة، وأقام في وسطها كشكاً فسيحاً لجلوس المدعوين، وسرادقاً جميلاً جعل فيه خواناً عليه من ألوان الطعام وأنواع الشراب ما لذّ وطاب. وحينما وصلنا إلى هذه الحديقة، وجدنا جمّاً غفيراً من أهالي البلد مجتمعين حول الروض من الخارج وفي طرقاته من الداخل. وما كاد يقع علينا
نظرهم حتّى طفقوا عن بكرة أبيهم يحيّوننا تحيّة فائقة ويصفّقون لقدومنا تصفيقاً. وقد كان في أوّل المستقبلين لنا حضرتا رئيسَي البلدية. وذهبا بنا توّاً إلى ذلك البهو بين تصدية المحتشدين وهتافهم الشديد. وقد وجدنا في اِنتظارنا هناك عدداً كبيراً من رجال الحكومة وثراة المدينة وأعيانها، يتقدّم الجميع صاحبا الدولة ناظم باشا الوالي، ويوسف باشا المتصرّف. فحيّيناهم جميعاً وما لبثنا نجلس إلا قليلاً، ثمّ قام جناب الرئيس الأوّل الحاجّ منيح أفندي رمضان وارتجل في وسط هذا المجتمع الحافل خطابة، كانت على طولها غاية في الرقّة والرشاقة. افتتحها بعبارات الشكر لنا والثناء علينا، ثمّ اِنتقل إلى شرح السرور البليغ الّذي كان يخامر أفئدة أهل الشام عموماً،