فيما يتدارسونه من العلوم الجغرافية والهندسية والتاريخية وغيرها جرياً على العادة فسررنا من نجابة التلاميذ واستحضارهم، ثمّ تعهّدنا غرف النوم ومواضع الأكل والطبخ أيضاً فسرّنا اِختيارها ونظافتها سروراً بليغاً ولذلك أثنيت حميد الثناء على القائمين بشؤون هذه المدرسة عموماً، خصوصاً الأساتذة الّذين ظهر لي حسن عنايتهم بتربية الطلبة وتعليمهم ممّا كنت أراه من إجاباتهم السارّة على أسئلة أولئك المعلّمين، غير أنّي لاحظت شيئاً واحداً هناك وهو عدم تمرين التلاميذ على حمل السلاح وتعويدهم عليه في صغرهم وشباب عمرهم مع أنّ المدرسة حربيّة وكان يجب أن يوجد ذلك فيها بل أن يكون من أوّل دروسها وأهم حصصها، وقد سألتهم عن سبب هذا النّقص المحسوس فأجابوني بما كان لا يلاقي اِعتراضي عليهم، قالوا: إنّ المدرسة اِبتدائية وإن التلاميذ أحداث صغار، وقلت إن المدارس الحربيّة الإعدادية في الجهات الأخرى تعطي أبناءها السلاح في ضمن ما يتعاطونه وهم صغار لينشؤوا على حبّه ويتمرّنوا على حمله ولكي تتربّى فيهم من
حال الصغر ملكة الشجاعة وتغرز في سجاياهم القوّة والجراءة ومن ذلك يستشعر التلميذ من نفسه الشهامة والإقدام، نعم لا ننكر أنّ الجيش العثماني من أقوى الجيوش وأشجعهم قلباً وأشدّهم بأساً اشتهر ذلك عن هذا الجيش حتّى إنه لا يوجد على ظهر المسكونة أحد يجهله أو يرتاب فيه، غير أن الواجب إنّما هو البلوغ بالإنسان إلى الحدّ الأكمل من كلّ فضيلة، وبدل ما أن يقال الجندي العثماني شجاع والجندي الفلاني أشجع منه يقال على العكس من ذلك، وما العمل لتحصيل هذا بالأمر المستحيل ولا هو بالصعب أيضاً.
ومن هناك ذهبنا إلى المدرسة الملكيّة حيث كانت الساعة 11 إفرنجية، فاستقبلنا على مدخلها جناب ناظر المدرسة وأساتذتها وبعض متخرّجيها وفريق من علية القوم، وإذ ذاك صدحت الموسيقى المدرسيّة بالسلام والنشيد الوطني. أمّا نحن فدخلنا ردهة الاستقبال، بينما كانت التلاميذ يحيّوننا ويهتفون لنا بالدعاء. وما كدنا نستقر في مجالسنا حتّى قام أحد التلاميذ ورحّب بنا بخطاب تركي. ثمّ نهض بعده الأستاذ