رجال ضخام الأجسام طوال القامة، تبدو عليهم علائم القوّة والشجاعة حتّى لا يرتاب رائيهم في أنّهم من نخبة الشجعان وصفوة الفرسان. وكان أوّل من اِستقبلنا عند الدخول دولة المتصرّف وكاتب أسراره حيث دخلوا بنا في ردهة الاستقبال، وإذ ذاك عرّف إلينا قرينته على عادة الغربيّين في التعارف. أمّا هذه السيدة المصونة فكانت ذات جمال نادر وذكاء باهر، وبين جنبيها نفس مهذبة وأخلاق كريمة. وأمّا دولة الباشا فقد كان يزيد على اللّطف والوداعة محبّة وإخلاصاً لنا ولعائلتنا ممّا اِستوجب شكري لهما واِمتناني منهما. وكان دولته يودّ كثيراً أن تطول إقامتنا في جبل لبنان ليكرم وفادتنا ويحسن ضيافتنا هناك، فسررت منه جدّاً خصوصاً عندما عرفت منه رجلاً فاضلاًَ محنّكاً، قد اِكتسب بالتجارب الكثيرة والتقلّب في خدمات الحكومة خبرة تامّة وسياسة رشيدة. كما أنّه قد اِستفاد من التربية الصحيحة والتعليم العالي لطفاً وأدبا، غير أنّ الظروف كانت لا تسمح لي بأكثر من إجابته إلى تناول طعام الغداء عند دولته في ظهر اليوم الثاني. ثمّ بارحنا دارهم حيث كانت تحيّينا الجنود في الوداع بمثل ما كانت حيّتنا به عند الاستقبال مودّعين من لدن دولة المتصرّف وجميع من كان معه بغاية الحفاوة والاحترام.
ومن هناك ذهبنا إلى القشلاق حيث فيه مركز جناب قومندان الموقع العسكري في حكومة بيروت. وهو بناء فخم جميل واقع على ربوة وحينما وصلنا على هذه الثكنة حيّتنا الجنود عند مدخلها وأدّت لنا مراسم التعظيم كالعادة. وقد أخذنا مجالسنا في البهو الكبير منها، وهناك رأينا ساعة كبيرة تدقّ للساعات العربيّة والإفرنكية، ووجدنا أيضاً صورة إمبراطور الألمانيين ملوّنة بالزيت على جرمها الطبيعي، يحيط بها إطار يقرب طوله من ثلاثة أمتار وعرضه من مترين
ونصف.