الرحله الشاميه (صفحة 141)

السفر إلى صيدا

ركبنا مركبة سيّارة (أتوموبيل) من باب الفندق، وذهبنا متّجهين نحو ذلك البلد في طريق كان معظمه على شاطئ البحر. وكانت هذه أوّل مرّة مررنا فيها من تلك السكّة الّتي وجدناها مثل أكثر سكك الضواحي في بلاد الشام، إذ كانت مغروسة على الجانبين بالزروع والأشجار. وكنّا نشاهد أثناء السير شجر التوت يمتاز بالكثرة عن كلّ الشجر، وقد قدّمنا أنّ سبب ذلك هو أنّ ثروة أكثر المدن والقرى في تلك الجهات معظمها من محصول الحرير الّذي يتغذى دوده من ورق التوت، فهم لأجل ذلك يكثرون من زراعته في البساتين وفي الطرق أيضاً. ويقال إنّ صيدا ازدادت ثروتها كثيراً بسبب اتّجارها بالحرير ومنسوجاته. وحينما كنّا على مسافة قريبة من البلد، ألفينا في انتظارنا سعادة نسيم بك جنبلاط، ومعه عدّة

رجال من مستخدمي الحكومة وثلّة من عساكر الجندرمة، فاستقبلونا بغاية الحفاوة. ثمّ ساروا بنا إلى هضبة تبعد عن البلد قليلاً، حيث على تلك الهضبة تقوم دار سعادة البك الّتي وجدنا على مدخلها، حين وصلنا إليها، أنجال سعادته واقفين ينتظروننا، فرحّبوا بمقدمنا واستقبلونا بما دلّ على تهذيب نفوسهم وحسن تربيتهم. ثمّ دخلنا إلى ردهة الاستقبال، وما كدت أستقرّ فيها حتّى ذهبت منّي نظرة إلى الحائط فرأيت على دائره صور جميع أفراد الأسرة العلوية، من الجدّ الأكبر إلى الحضرة الفخيمة الخديوية. وكانت تلك الرسوم البديعة متقنة إلى درجة أنّها تكاد تمثل أشخاص المرسومين، لأنّها على إتقانها العجيب كانت مكبّرة وملوّنة بالزيت، فانشرح صدري من رؤية هذه المجموعة أيّما انشراح. وحينئذٍ أظهرت لأصحاب البيت سروري وجذلي من ذلك العمل الّذي كنت أستشف منه إخلاص أسرة جنبلاط الكريمة نحو البيت العلوي القديم. ثمّ إنّي ما كدت أبدي عجبي واستغرابي من أنّي أرى رسم الأسرة الخديوية كلّها على حائط هذا البيت، وهو قائم على تلّ من تلال الشام، حتّى كان قد أدرك ذلك منّا سعادة الأمير نسيم بك وقال لنا على الفور: لا تعجبوا دولتكم أن تجدوا أمام أعينكم الآن صور أسرتكم الفخيمة، فما هو إلا بعض الواجب تؤدّيه لكم أسرة شامية، كانت ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015