صحاف الحلوى وفناجين الشاي، فتناولنا منها ما طاب لنا، وشكرناهم. ثمّ قمنا مودّعين من حضراتهم جميعاً بغاية الإجلال والتعظيم.
ومن هناك عدنا توّاً إلى الفندق. وبعد أن تناولنا طعام الغداء وركبنا سيّارة، ومعنا حضرة الأمثل سليم بك ثابت، حيث قصدنا إلى التنزّه في جهات الضواحي. وكان سيرنا في هذه المركبة السريعة على شاطئ البحر من شمال بيروت، بين المناظر الطبيعية الجميلة، حتّى وصلنا إلى بلدة تسمّى سوق مصباح، ومنها عدنا في نفس الطريق إلى الفندق، حين لم يبق من الوقت إلا ريثما يسعنا للعشاء والنوم. وعند الصباح توجّهنا إلى زيارة معمل الخواجه خوري السيوفي، وهو معمل كبير للمصنوعات الخشبية، وحركاته الصناعية تجري كلّها بواسطة الأدوات والآلات
الّتي تختلف على حسب اختلاف أدوار العمل وأجزائه. وهناك شاهدنا من العمّال مهارة فائقة ونشاطاً عجيباً، ولهم دقّة غريبة في الصناعة، خصوصاً صناعة الدواليب الّتي كانت لا تقلّ في نظرنا عن الدواليب الّتي تصنع في أهمّ فبريقات أوربا وأشهر معاملها. وبالجملة، فإن هذا المصنع كان حافلاً بالعدد المتينة والآلات المكينة الّتي تلزم لصناعة الخشب بجميع أنواعه، من المبدأ إلى المنتهى، على نحو ما يتصوّره زائر المصانع في البلاد الغربية. وقد طفنا في هذا المعمل على كلّ ما كان يدور فيه من العمل، وسررنا جدّاً من تلك النهضة العملية الشريفة الّتي تبشّر بحسن مستقبل الصناعة في بلاد الشام، وتعدّ خطوة واسعة في طريق الحضارة الشرقية. وإذ ذاك امتدحنا مؤسّس هذا العمل المفيد الّذي كان أكبر مشجّع لتلك الصناعة البديعة في بلاد الشرق، حتّى أصبحنا نرى في مثل بيروت مصنوعات مهمّة تضارع مصنوعات الغربيّين في أعظم مصانعهم. ولابدّ على طول الزمان أن تنشأ المعامل لمثل هذه الصناعة وغيرها في كثير من حواضر البلاد الشامية، وحينئذ يتوفّر للبلاد شيء كثير من ثروتها، يتبادل بين أهاليها ويصرف منها فيها، وذلك هو الأساس الأوّل الّذي عليه يبنى استقلال البلاد وترتكز سعادتها. وإنّه بقدر ما كان سرّني أن أرى تلك الحركة العظيمة والنهضة السامية من أبناء سورية، لقد ساءني أنّي لم أجد مثل ذلك