ألاعيب أولئك العرب الخيالة ونسائهم، وينظرون مهارتهم المدهشة في المغالبة والمضاربة بالجريد والمراح، هجوماً ودفاعاً وكراً وفراً. وحقيقة، كان هؤلاء الفوارس مهرة حذاقاً يحسنون اللعب على متون الصافنات الجياد بمختلف أنواعه وأشكاله. وقد
كان بين أظهرهم ثلاثة فرسان ظهروا على الكلّ وامتازوا بالخفّة والبراعة، فكان لهم فوق ما كان للجميع من العجب والاستحسان. واستمر الحال كما وصفنا حتّى قربت صلاة الجمعة. وحينئذ تأهّبنا لها وذهبنا، ومعنا سعادة المتصرّف وبقيّة أصحابنا إلى الجامع الأكبر المسمّى بجامع طيلان.
هذا الجامع واقع في الجنوب الغربي من المدينة فأدينا الفريضة فيه. وكنّا نلاحظ أنّ المسجد على اتّساعه العظيم، كان غاصّاً بالناس. بل رأينا أنّ كثيراً منهم كانوا يصلّون خارجه لضيقه عليهم. ثمّ عمدنا إلى زيارة المخلفات المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فقبّلناها مراراً متبركين بها لنسبتها الشريفة، بينما كان رجال من أهل الطريق يقرؤون الأدعية والأوراد بصوت جهوري. ومن هناك خرجنا مشاة في أوّل السبيل، والناس مصطفّون على حافتي الطريق كأنّهم بنيان مرصوص، وأقدرهم إذ ذاك الّذي كان يظفر برؤيتنا ويظهر عليهم فيها. ثمّ جيء إلينا بالعربات تشق غمار المحتشدين وتأخذ طريقها من بينهم غصباً، فركبناها وقصدنا بيت حضرة الفاضل علم الدين بك لتناول طعام الغداء عنده، إجابة لدعوته السابقة. وهذا البيت كان في الميناء الّتي يوجد فيها جزء عظيم من المباني، لأنّ المدينة التي يطلق عليها اسم طرابلس تتألّف من الأبنية الواقعة على شاطئ البحر ومن تلك الأبنية الّتي ذكرنا أنّها على الهضبة بالقرب من بيت عمر باشا العكاري. وبين التل والميناء مسافة ربع الساعة تقريباً بمسير العربات، ويربط بينهما خط الترام العريض في طريق جميل يجد فيه المسافر على اليمين واليسار بساتين كثيرة وحدائق غنّاء، غرسها في الغالب من شجر اللارنج والبرتقال الّذي كان يملأ الجوّ بعبير زهره الفيّاح، وقد عرجنا في هذا