الواسعة وجلسنا برهة ريثما تناولنا القهوة، قام حضرة الخور فسقفوس جرجس سلحت نائب مطروبوليت السريان وأنشد قصيدة في المدح والتهنئة بالقدوم. ثمّ دعينا لتناول الطعام على مائدة، كان يحيط بها نحو خمسين نفساً من المدعوّين، وكلّهم من علية القوم وكرام الناس في حلب فأكلنا وشربنا ألواناً وأصنافاً شهيّة لذيذة، بينما كانت الموسيقى تشنّف الآذان بألحانها المطربة، حتى إذا انتهى الأكل وجلسنا في مجالسنا قام عطوفة الوالي في ذلك المحفل الحافل وألقى على مسامع الحاضرين خطبة رشيدة العبارة، جملية الأسلوب، شرح في أوّلها سروره وسرور قومه بزيارتنا لبلدهم، وأطال في آخرها بالدعاء لجلالة سلطان المسلمين وسمو الجناب العالي الخديوي. وقام على أثره حضرة بشير أفندي، رئيس البلدية، وخطب خطبة كانت تطوف معانيها حول الترحيب بنا والشكر لنا. ثمّ تلاه الشيخ محمد بدر الدين أفندي النعساني، أحد علماء حلب، وألقى خطبة أيضاً. وهكذا كان يقوم مصاقع الخطباء وفطاحل الكتاب والشعراء بعضهم تلو بعض، حتّى كان يخيّل إلينا أنّنا محتشدون في مجتمع علمي أو ناد أدبي، وكلّهم كانوا يضربون على نغمة واحدة. وهنا نذكر ممّا قالوه قصيدتين إحداهما لحضرة الخور فسقفوس المذكور، والأخرى لحضرة جورجي أفندي خياط.
غَدت مِن بناتِ الماءِ جارية تَسري ... عَلى عجلٍ وَالقلبُ منها عَلى جَمرِ
تُضاهي فُؤادي في تأجّج شوقِهِ ... إِلى رُؤية المصر الّذي عزّ مِن مصرِ
أُريدُ بِهِ مصر الّتي في اِبتدا الدهرِ ... بَدت بَهجة الدّنيا بِيوسفها البرِّ