تكون في عمق الخندق. ثمّ إنّ في صحن القلعة الّذي أسلفنا ذكره عدداً كبيراً من الأقبية، وفي وسطه قبّة فخمة قائمة على أربعة أعمدة من البناء. ويستدلّ من شكلها على أنّها كانت في أوّل عهدها فوق بئر محفورة في نفس الصخر، وهناك رأينا منارة جميلة الشكل بهيجة المنظر. وفي الجهة الشمالية الغربية يوجد مدفعان قديمان، صنعت فوهتهما من الحديد الممزوج بالرصاص. وبعدما اطّلعنا على أهمّ ما تشتمل عليه تلك القلعة من الداخل والخارج، صعدنا إلى أعلى نقطة فيها وأشرفنا منها على المدينة وضواحيها، فرأينا بين الأشجار والمزارع وما يتخلّلها من العيون والأنهار منظراً ساحراً فتّاناً لا ندري، وقد أخذتنا من حسنه روعة، أهو أبهج أم ذلك المنظر الّذي كنّا شاهدناه على دمشق من فوق الصالحية.
ثمّ برحنا القلعة متّجهين نحو بيت صاحب السّعادة جابري باشا إجابة لدعوته، حيث كان سيرنا إليه من داخل البلد الّذي تطوّفنا فيه على جملة جهات، بقصد أن نطّلع على ما لم يسبق لنا الاطّلاع عليه حتّى وصلنا إلى المنزل. وهناك رأينا في اِنتظارنا على بابه سعادة الباشا في لفيف من أقاربه، فاستقبلونا بأكبر حفاوة واحترام ودخلوا بنا إلى البهو، فاستقبلنا فيه أيضاً جمّ غفير من حضرات المدعوّين، يتقدّمهم إلى ذلك عطوفة الوالي. وما جلسنا إلا نحو خمس دقائق، ثمّ دعينا إلى غرفة المائدة فتناولنا عليها جملة ألوان من ألذّ الطعام وأشهاه. وكان أحسن ما تذوّقنا منها ثلاث صحاف من طعام البلد الخاص بها والمشهور بين
أهلها. وبعدما انتهينا من الأكل والشرب، عدنا إلى مجالسنا في ردهة الاستقبال. وكان عدد المدعوّين معنا يبلغ نحو 18 نفساً من أشراف الناس في المدينة، وقد قدّم لكلّ واحد منهم نارجيلة يدخن فيها كما هو المعروف في عوائد هذه البلاد. وإذ ذاك كان المنظر في ذاته غريباً، وأغرب منه ما كنّا نسمعه من قرقرة النارجيل الّتي لم نجد لوصفها أبلغ وأظرف من قول الشاعر:
ولابسة مِنَ الياقوتِ تاجاً ... تقهقهُ كلَّما قَبّلت فاها