أحبَّ الانصرافَ عنه، ومنهم من لم يتَأتَّ له قَصْدُه إليه فيُخاطبُه فيرُدُّ جوابه بأجملِ القول أو أجزَل الفعل أو بهما؛ ولقد عُنيَ بعضُ خواصِّه بجَمْع المُستجادِ من مُخاطبتِهم إيّاه فتَحصَّلَ منها ديوانٌ كبيرٌ في ثلاثةِ أسفار ضَخْمة (?). وترَدَّدَ إليه التّجار من أقاصي البلاد فأوَسَعَهم رِفْقًا وبِرًّا وتأنيسًا، سالكًا في ذلك كلِّه سَنَنَ العَدْل والفَضْل، وهُو معَ ذلك لا يَغِبُّ نظرًا في العلم وإفادتِه واستفادتِه شَغَفًا به وتفضيلًا له، وكان حسَنَ الخَطّ بارعَ المَنازع فيه، يَكتُبُ خطوطًا مختلفةً كلُّها نهايةٌ في الحُسن، شديدَ العناية بجمَعُ دفاترِ العلم وأعلاقَ الكُتُب حتى جَمَع منها ما لا نَظيرَ له كثْرةً وجَوْدة، إذ كان مقصودًا بها من المسلمينَ والنَّصارى، فكان يتَخدَّمُ بها إليه النَّصارى كما يتقرَّبُ بها إليه المسلمون، وكان يُجيدُ قَرْضَ الشِّعر، رأيتُ من شعرِه مجلَّدًا جيِّدًا يكونُ أشفَّ من ديوان شعرِ المتنبِّي أو نحوَه بخطِّ ابنهِ أبي عَمْرو (?) حَكَم رحمه الله، ومنه ما كتَبَ به إلى كاتبِه أبي القاسم أحمدَ بن محمد بن نَجوت المعروفِ بابن يامين (?) وقد كتَبَ إليه كاتبُه المذكورُ [البسيط]:
أنفِقْ من المالِ ما آتاكَ مكسَبُهُ ... ولا تصُدَّنَّهُ ما جارَ عن طُرُقِهْ
فالمالُ كالماءِ إن سُدَّتْ مسالكُهُ ... فجارُ غمْرَتَهُ لا بدَّ من غَرَقِهْ
فأجابه الرئيسُ أبو عثمانَ رحمه الله وأجاد [البسيط]:
من يُمسكِ المالَ بُخلًا لا مِساكَ لهُ ... ومن يُفرِّقْه جُودًا كنتُ من فِرَقِهْ
لا تشدُدَنْ وَرِقًا للضَّعفِ تحذَرُهُ ... فالغُصنُ يقْوَى إذا خفَّفتَ من وَرَقِهْ