هذا، إذ كانت وفاةُ أبي الطاهرِ ليلةَ الجُمعة الخامسةِ من شهرِ ربيع الآخِر من سنة ستّ وسبعينَ وخمس مئة، وقد تقَدَّم تاريخُ رحلة أبي جعفرِ هذا، وأفحَشُ من هذا الوهْمِ تخيُّلُه الرِّوايةَ عن أبي القاسم ابن عساكرَ، وكانت وفاتُه سنةَ إحدى وسبعين، وإنّما يَروي عن ابنِه أبي محمد القاسم، وأرى أنّ هذا الوَهْمَ جَرَّه عدَمُ التثبُّت حالَ النقْل، فلعلّه كان أبا محمد القاسمَ ابنَ عساكر، فزَلَّ بصَره عن محمدٍ المُكْنَى به القاسمُ الابن، فصار أبا القاسم، وهي كُنْيةُ الأبِ عليٍّ المذكور واللهُ أعلم. وقَفَلَ إلى الأندَلُس، رَوَى عنه أبو الحَسَن ثابتُ بن خِيَار الكَلاعيُّ، ثم تحوَّلَ إلى مدينة فاسَ فاستَوطَنَها دارًا واتّخذ بها ضِيَاعًا وعَقارًا. وكان من سَرَواتِ الرّجال وأفاضلِهم كاملَ المروءةِ كريمَ الطِّباع ماهرًا في الصّناعة الطِّبّية متقدِّماً في المعرفة بالتعاليم حسَنَ المشاركة في غير ذلك من فنونِ علم اللِّسان العربي. وصَنَّف في الطبِّ مختصَرًا نبيلًا سمّاه: بـ "الجُمَل (?) والتفصيل، في تدبير الصّحة [وتَطْبيب العليل] (?) "، وفي الموسيقى من فنونِ التعاليم المَدخَلَ إليه، واختصارَ كتابِ أبي نَضرٍ محمد بن محمد الفارابيِّ فيه، وكلُّ ذلك مما بَرَّزَ فيه وشُهِدَ بفَضل معرفتِه به. وتوفِّي بمَرّاكُشَ سنةَ ثمان أو تسع وتسعينَ وخمس مئة، وقال أبو جعفر ابنُ الزُّبير: إنه توفِّي بمدينة فاس.
له رحلةٌ حجَّ فيها، ورَوَى بمكّةَ شَرَّفَها الله عن كريمةَ المَرْوَزيّة. رَوَى عنه أبو الحَسَن عبد الرحمن بن أحمدَ ابن المَشّاط الطُّلَيْطُلي. وكان من أهل الحِفظ للفقه والذّكر للمسائل، واستُقْضي.
رَوَى عن أبي جعفرٍ بن عليِّ بن غَزْلون.