[وأكثرَ أهلُ العلم] القولَ في ذلك نظمًا ونثرًا، وقَعَدَ بها لترويةِ الحديث وإسماعِه [الشّيخُ أبو الحَسَن] المذكورُ في رجبِ خمسٍ وثلاثين وست مئة وكَثُر الأخْذُ عنه بها [واستمرَّ على] ذلك مدّة.

وكان سرِيَّ الهمّة نزِة النفْس كريمَ الطَّبع سَمْحًا مؤْثِرًا، [مُعانًا على] ما يَصدُرُ عنه من المآثرِ ونُبْل الأغراض بالجِدة المتمكِّنة واليسارِ الواسع.

وكان سُنِّيًّا مُنافرًا لأهل البِدع، محبًّا في العلم وطلابِه، سَمحًا لهم بأعلاقِ كُتُبه، قويَّ الرجاءِ في ذلك. [وهو] آخرُ من حدَّث عن ابن مؤمن.

طلَبَ العلمَ صغيرًا ببلدِه، ورَحَلَ إلى فاسَ فأخَذَ عن مشيَختِه وغيرهم.

وممّا يؤثَرُ عنه من تخصُّصِه أنه لم يُباشرْ قطُّ دينارًا ولا درهمًا، إنّما كان يَتصرَّفُ له في ذلك وكلاؤه واللائذونَ بجنابِه.

وامتُحِن بالتغريبِ عن وطنِه سَبْتة (?) فأُجيزَ به البحرُ إلى جزيرةِ الأندَلُس في منتصَف سنة إحدى وأربعينَ وست مئة، وسُيِّرَ إلى المَرِيّة فتلقّاه أميرُها حينَئذٍ ووزراؤها وأعيانُها ورؤساؤها وأهلُ العلم فيها بما ينبغي أن يُتلَقَّى به أمثالُه من ذوي الجلالة وبُعد الصِّيت وكرَم الأحدوثة وأوسَعوا منزلَه وأجْزلوا نزولَه، ووالَوْا تأنيسَه، وأولَوه احتفاءهم وبِرَّهم، وأقام لديهم أعوامًا، وأخَذ عنهم هناك أيضًا، ثم ظهرَ الاختلالُ في أحوالِ المَرِيّة وبلادِ شَرق الأندَلُس فتحوَّلَ إلى مالَقةَ فِرارًا من الفتنة ومحاولًا العَوْدَ إلى سَبْتةَ واللَّحاقَ بأهلِه فيها، فلم يُقدَّرْ له ذلك، وأقام بها يؤخَذُ عنه العلمُ إلى أن أتَتْه منيّتُه بمالَقةَ ضَحْوةَ يوم الخميس لليلةٍ بقِيَت من رمضانِ تسع وأربعينَ وست مئة. نفَعَه اللهُ بشهادةِ الموتِ غريبًا (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015