وكان الذهبيُّ يعلم جيدًا صعوبةَ الاعتماد على ضبط القلم، فنبه على ذلك في المقدمة بقوله: "فأتقنْ يا أخي نسختك واعتمدْ على الشّكل والنقط ولا بد، وإلا لم تصنع شيئًا".
وقد احتل كتابُ الذهبي هذا مكانًا رفيعًا بين الكتب المؤلفة في هذا الفن العسير، وهو في حقيقته يُغني عن كثير من الكتب الأخرى، لكنه يحتاج إلى تمَرُّس ودُربة للإفادة منه.
وفي القرن التاسع الهجري طالع عَلّامةُ الشام الحافظ ابنُ ناصر الدين الدمشقي المتوفى سنة 842 هـ كتاب "المشتبه" للذهبي، وضبط لنفسه نسخة نفيسة منه، ثم ألف كتابه العظيم "توضيح المشتبه" (?)، قيد فيه الأسماء والأنساب والكُنى والألقاب بالحروف لإيمانه بأن القلم لا يمكن اعتماده في مثل هذه الأمور، فأوضح بعض ما أهمله الذهبي، وشرح بعض ما رأى أنه شديد الاختصار، واستدرك على مؤرخ الإسلام استدراكاتٍ نفيسةً تدل على علم جمّ، ومعرفة وإتقان وبراعة تامة في هذا الفن، ولذلك يعد كتابه هذا -فيما أرى- من أنفس الكتب الموضوعة في هذا الفن على الإطلاق.
كما شرح كتاب الذهبي أيضًا الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتاب سماه "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" (?)، وهو كتاب قيّم، ولكن أنّى له أن يبلغ مرتبة توضيح ابن ناصر الدين؟!