ثم قَفَلَ إلى الأندَلُس وجَلَبَ فوائدَ، منها: "المصابيحُ" لأبي محمد بن مَسْعود روايتُه عن ابنِ حامدٍ المذكور عن المصنِّف، فنَزَلَ قُرطُبةَ سنةَ تسع وثلاثينَ، وصادَفَ الفتنةَ التي أثارَها أخوهُ كبيرُه أبو بكرٍ محمدٌ الثائرُ بمارْتُلةَ على اللَّمْتونيِّين، فخافَ الحاجُّ على نفسِه واختَفَى أشهُرًا بقُرطُبةَ عند صديقِه أبي بكر بن عَتِيق بن مُؤْمن لخُلّةٍ كانت قد تأكَّدت بينَهما [52 و] أسبابُها، فأخَذَ عنه حينئذٍ أبو الحَسَن بن أبي بكر بن مُؤمن؛ واشتَدَّ أسَفُه على أخيه وما نَشِبَ فيه، ثم تَأتَّى له الفصولُ عن قُرطُبة، فخَرَجَ متردِّدًا في بلاد الأندَلُس من مارْتُلةَ وشَلْطِيشَ، ثم قَصَدَ مَرّاكُشَ فاستَوطَنَها.
وكان من أحسن الناس خَلْقًا وخُلقًا، مشارِكًا في فنونٍ من العلم كالحديث والفقه وأصُوله وعلم الكلام والطّبِّ، شاعرًا مُجِيدًا سريعَ المخاطر مُكثِرًا، نبيلَ المقاصد، كاتبًا بليغًا. ووَصَلَ إلى مَرّاكُشَ بعدَ قَتْل أخيه مُتسبِّبًا لصَرْف أملاكِه عليه، فمرِضَ بها وتوفِّي سنةَ خمس أو ستّ وستينَ وخمس مئة (?).
رَوى عن أبي إسحاقَ بن عبد الرّحمن القَيْسيّ، وأبي الحَسَن طاهرِ بن يوسُف، وأبي العبّاس الخَرُّوبيّ وأبي القاسم بن حُبَيْش، وأبي محمد عبد المُنعِم ابن الفَرَس، ومحمد بن عليّ بن مُغِيرة.