وكانت له خاصّةٌ به ومَيْل إليه، فتَخطَّى رقابَ الناس واحدًا واحدًا حتّى قَرُبَ من الحاجِب، فاستَحْيا منه وأقعَدَه في فُرجةٍ كانت بينَه وبينَ الشَّنتَريني، فغاظَه ذلك وأحفَظَه، وتناوَلَ رُقعةً من بين يَدَي أحدِ كتّابِه، وكتَبَ فيها هذينِ البيتَيْن بَديهةً، وناوَلَهما الحاجبَ وهما [الخفيف]:
حالَ بيني وبينَ وَجْهِك في المجـ ... ــــلسِ شخصٌ على القلوبِ ثقيلُ
ما توَهَّمتُ قبلَها أنَّ شخصًا ... بينَ قلبي وناظِري سَيحُولُ
واستعمَلَه الناصِرُ على كُور أَشُونةَ سنةَ إحدى وثلاثينَ وثلاث مئة. وكانت له من الحاجب المنصُور أبي عامر محمدِ بن أبي عامِر منزلةٌ وخاصّةٌ حتى صَدَرَ منه جَفاءٌ بمجلسِه لأَبي الحَسَن عليّ بن محمد السَّعيدي (?) القادم من العراق، وكان مُغَنِّيًا ماهرًا واحدَ عصرِه في صناعة الألحان، فغنَّى المنصورَ بقطعةِ لَبِيد (?) [مشطور الرجز]:
"مهلًا أبَيْتَ اللَّعنَ لا تأكُلْ مَعَهْ"
الأشطارَ، فلم يُؤاكلْ عَرِبيًّا بعدَها ولا شارَبَه، وكان خازنَ السِّلاح.
رَوى عن أبي عليّ بن سُكّرةَ، وأجاز له الرئيسُ أبو عبد الرّحمن بنُ طاهر (?).
وكان نَحْويًّا لُغَويًّا أديبًا حَسَنَ الخَطّ جميلَ الوِراقة [40 و]. توفي سنةَ ثِنْتَيْ عشْرةَ وخمس مئة.