من بين من تخلف عنه، قال: فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت لى فى نفسى الأرض، فما هي بالأرض التى أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباى فاستكانا، وقعدا فى بيوتهما يبكيان، وأما أنا، فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج، وأشهد الصلاة، وأطوف فى الأسواق، ولا يكلمنى أحد، وآتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأسلم عليه وهو فى مجلسه بعد الصلاة، فأقول فى نفسى: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلى معه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتى نظر إليَّ وإذا التفت نحوه أعرض عنى، حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبى قتادة، وهو ابن عمى، وأحب الناس الي، فسلمت عليه، فواللَّه ما رد علي السلام، فقلت: يا أبا قتادة أُنشدك باللَّه هل تعلم أني أحب اللَّه ورسوله؟ فسكت، قال: فعدت فناشدته. فسكت فعدت فناشدته، فقال: اللَّه ورسوله أعلم، ففاضت عيناى، وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينا أنا أمشى فى سوق المدينة، إذا نبطى من نبط أهل الشام، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة، يقول: من يدل عليّ كعب بن مالك؟ قال: فطفق الناس يشيرون له، حتى جاءنى فدفع إليَّ كتابا من ملك غسان، وكنت كاتبا، فقرأته فإذا فيه، أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك، قد جفاك ولم يجعلك اللَّه بدار هوان ولا مضيقة، فالحق بنا نواسك، فقال: قلت حين قرأته: وهذا أيضًا من البلاء، فتأممت به التنور فسجرته به، حتى إذا مضت أربعون من الخمسين وأستلبث الوحى إذا رسول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-