وَكَذَلِكَ الْقِيَامُ بِالْفَتْوَى فَرْضُ كِفَايَةٍ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ قَبْلَ الطَّهَارَةِ مَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَيْضًا مِنَ الْفِقْهِ وَمَا هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ بَلْ هُوَ علمك بِحَالَتِكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا فَيُطَالَعُ مِنْ هُنَاكَ وَفِي التَّلْقِينِ يَجِبُ النَّظَرُ وَالِاعْتِبَارُ الْمُؤَدِّيَيْنِ لِلْعِلْمِ بِمَا افْتُرِضَ عَلَيْكَ أَوْ نُدِبْتَ إِلَيْهِ وَطَلَبُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَفِي تَعَلُّمِهِ فَضِيلَة عَظِيمَة وَلَا يجوز لمن قيه فَضْلُ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ وَقُوَّةُ الِاسْتِدْلَالِ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ لِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} وَمَنْ لَا فَضْلَ فِيهِ لِذَلِكَ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَقْلِيدِ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنه أفقه وَأعلم وأدين وَأَوْرَع وقته وَيَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِمَا يُفْتِيهِ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَمَا أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنَّ أَفْضَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ وَقِيلَ ثُمَّ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَلَا يَفْضُلُ بَيْنَهُمَا وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَانِ وَأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ أَفْضَلُ عَصْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَام وَأَن أفضلهم الْعشْرَة وَأفضل الْعشْرَة الأيمة الْأَرْبَعَةُ ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْمُهَاجِرُونَ على قدر الْهِجْرَة والسبق أَن مَنْ رَآهُ سَاعَةً أَوْ مَرَّةً أَفْضَلُ مَنْ التَّابِعين تنبه لَيْسَ هَذِهِ التَّفْضِيلَاتُ مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُكَلَّفِ اكْتِسَابَهُ أَوِ اعْتِقَادَهُ بَلْ لَوْ غَفَلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقًا لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي الدِّينِ نَعَمْ مَتَى خَطَرَتْ بِالْبَالِ أَوْ تَحَدَّثَ فِيهَا بِاللِّسَانِ وَجَبَ الْإِنْصَافُ وَتَوْفِيَةُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَيَجِبُ الْكَفُّ عَنْ ذِكْرِهِمْ إِلَّا بِخَيْرٍ وَأَنَّ الْإِمَامَةَ خَاصَّةٌ فِي قُرَيْشٍ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ