اشْتَدَّ نُقِلَ إِلَى لَطِيفِ الْأَغْذِيَةِ فَإِذَا اشْتَدَّ نُقِلَ إِلَى غَلِيظِهَا فَإِنْ مَرِضَ عُومِلَ بِمُقْتَضَى مَرَضِهِ وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ فَأَوَّلُ بَدْءِ الْإِنْسَانِ فِي زَمَنِ آدَمَ كَانَ الْحَالُ ضَعِيفًا ضَيِّقًا فَأُبِيحَتِ الْأُخْتُ لِأَخِيهَا وَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ وُسِّعَ فِيهَا فَلَمَّا اتَّسَعَ الْحَالُ وَكَثُرَتِ الذُّرِّيَّةُ وَعَتَتِ النُّفُوسُ حُرِّمَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَحُرِّمَ السَّبْتُ وَالشُّحُومُ وَالْإِبِلُ وَأُمُورٌ كَثِيرَةٌ وَفُرِضَ عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ صَلَاةً وَتَوْبَةُ أَحَدِهِمْ بِالْقَتْلِ لِنَفْسِهِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِقَطْعِهَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّشْدِيدَاتِ ثُمَّ جَاءَ آخِرُ الزَّمَانِ فهرمت الدُّنْيَا وَضعف الْجَسَد وَقل الحبيب ولان النُّفُوس أحلّت تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتُ وَعُمِلَتِ الصَّلَوَاتُ خَمْسًا وَخُفِّفَتِ الْوَاجِبَاتُ فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْأَحْكَامُ وَالشَّرَائِعُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ وَظَهَرَ أَنَّهَا سُنَّةُ اللَّهِ فِي سَائِرِ الْأُمَمِ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيَانًا عَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فِي زَمَانِنَا وَظَهَرَ أَنَّهَا مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَأُصُولِ الْقَوَاعِدِ وَلَمْ يَكُنْ بِدْعًا عَمَّا جَاءَ بِهِ الشَّرْع الْولَايَة السَّابِعَة ولَايَة الْحِسْبَة وَهِيَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بِثَلَاثَةِ شُرُوط أَن يكون عَالما بِهِ وَإِن لَا يُؤَدِّيَ إِلَى مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ وَأَنْ يُفِيدَ إِنْكَارُهُ فَإِنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلِينَ يَنْفِي الْجَوَازَ وَانْتِفَاءَ الثَّالِثِ يَنْفِي الْوُجُوبَ وَيَبْقَى النَّدْبُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ آحَادِ النَّاسِ وَالْمُحْتَسِبِ الْمُوَلَّى مِنْ تِسْعَةِ أَوْجُهٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إِنَّ فَرْضَهُ فَرْضُ عَيْنٍ لَهُ لِأَجْلِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ عَلَى النَّاسِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّشَاغُلُ عَنْهُ بِغَيْرِهِ وَغَيْرُهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَشَاغَلَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَنْصُوبٌ لِلِاسْتِعْدَاءِ وَلَا يُسْتَعْدَى لِغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ إِجَابَةُ مَنِ اسْتَعْدَاهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَهُ الْبَحْثُ عَنِ الْمُنْكَرَاتِ الظَّاهِرَةِ لِيَصِلَ إِلَى إِنْكَارِهَا وَيَفْحَصُ عَمَّا تَرَكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ الظَّاهِرِ وَغَيْرُهُ لَيْسَ لَهُ الْبَحْثُ وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ أَعْوَانًا لِقَهْرِ الْمُعَانِدِينَ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَهُ التَّعْزِيرُ فِي الْمُنْكَرَاتِ الظَّاهِرَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَيَرْتَزِقُ عَلَى الْحِسْبَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالْقَاضِي لِأَنَّهُمَا مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَهُ