على ما في يديه، بعد الدولة العامرية، فأضحت أقطار الجزيرة يومئذٍ كبني الأعيان، وأهلها كما قال أخو بني عدوان:
عذير الحي من عدوا ... ن كانوا حية الأرض
بغى بعضهم بعضاً ... فلم يبقوا على بعض فاشتمل هذا القطر الغربي لأول تلك المدة على بيتي حسب، وجمهوري أدب، مملكتان من لخم وتجيب، مصرتا بلاده، وأكثرتا رواده، فأتاه العلم من كل فج عميق، وتبادره العلماء من بين سابق ومسبوق، وكلما نشأ من هذين البيتين أمير كان إلى العلم أطلب، وفي أهله أرغب، والسلطان سوق يجلب إليه، ما ينفق لديه، حتى اجتمع في الجانب الغربي على ضيق أكنافه، وتحيف العدو قصمه الله لأطرافه، ما باهى الأقاليم العراقية، وأنسى بلغاء الدولة الديلمية، فقلما رأيت فيه ناثراً غير ماهر، ولا شاعراً غير قاهر، دعوا حر الكلام فلبى، وأرادوه فما تأبى، وطريقته في الشعر الطريقة المثلى التي هي طريقة البحتري في السلاسة والمتانة، والعذوبة والرصانة.
وأنا أورد في هذا القسم بعض ما انتهى إليّ من حر كلامهم، في نثرهم ونظامهم، مشوباً ذلك كله بفنون فوائد ومعارف من أخبار يحسن الوقوف عليها. على أن الذي بلغني من شعر كل قطر، ثماد من بحر، ونقطة من قطر، ولقد فاتني كثير من الكتاب والوزراء