فلما بلغنا، قبل عرف جواده، وعبراته تنسكب على نجاده. قلنا: ما لك لا أبالك - فقال: منفلت من السجن، وآبق من أهل الحصن، وعائذ من ظلمات الغواية، بنور الهداية، ومن ذل عبادة الأوثان، إلى عز عبادة الرحمن؛ ولي خبر أريد أن أقصه، ويمتن الفقيه وفقه الله أن يسمع نصه. فخرج إليه الإذن، وقيل له أدن؛ فقضى فرض التحية ونافلتها، ثم قال: أيها الفقيه، للأشياء غايات تنتهي إليها، ومقادير تجري عليها، أما والخلاق العليم، والفاطر الحكيم، الذي أسعد قوماً بالهداية وأثابهم عليها، وأشقى آخرين بالضلالة وعذبهم بها، لقد أنحلتني عبادة الطواغيت فعبدت الصليب وقرعت الناقوس، وفعلت كل ما قرت به عين إبليس؛ قدر لم يكن ليخطئني ولا يتخطاني، إلى أن استنقذني ربي وهداني؛ وأنا أشهد أيها الأشهاد أن الله إله واحد، ليس له ولد ولا والد، كان ولم تكن الأكوان: لا أرض ولا ماء ولا دخان، مخترع الكل ومنشئه، ومعبده ومبدئه، له المثل الأعلى، والأسماء الحسنى.