أن ذلك ليس من اعتلال بصيرة بشرف الانتماء إليه، ولا انخفاض همةٍ عن سعادة المثول بين يديه، ولا إمعان في البدوية - وإن كنت من أهلها - حتى أذهل عن مطلع النير الأعظم من الأفق الذي سكنت ظله، ومفيض الفرات الأعذب من البلد الذي استوطنت محله، ولا أن ذكره لم يكن في تلك الأوطان زينة الأعياد، وحلية البلاد، وأنس الحاضر والبادي، وبلغة المسافر والحادي، ولا أني لم أكن ذكي الخاطر بتلاوة مآثر آلائه، ومستشفياً بنسيم الريح من أرضه وسمائه، ومعجباً بما جمع الله بتلاوة أهل الأدب، بل السراة أهل الرتب، ومعنى قول القائل:
يأتيك عن فهم الثناء عطاؤه عفواً وتلك عطية المستبصر
كرم تكشف عن حلى آدابه كالبحر يكشف غمره عن جوهر
وفي فصل من أخرى: ولما أزعجتني الأقدار إلى هذا المقر الجليل على اضطرار باد، ينبو ذلك المهاد، وردت مطرف الناظر، كليل الخاطر، فقصدت مع ذلك خدمته - في ورود الأول - باللقاء أو استطلاع الإذن بالمكاتبة، فأعجلهما مسيرة الميمون، فأحلت بذلك على اجد الظنون، والزمن الخؤون، ثم كتبت مستبدها في هذه الرقعة بأمور يشف عنها الكتمان بصادق ظنه، وينم بها السر والاختفاء إلى نجي ذهنه، فلم أبشر بقدومه حتى أنذرت بصدره، وقد كان من الحق أن أسير في أثره، وأنفذ في تصيد العز بملاحظة غرته، واستلام حضرته، ولكني أهديت من ضعف عذري وقوة ذنبي زينة إلى حلمه ومسامحته، ورجوت أن يضيف إلى الإغضاء فبضله، وأن أعرض عن كل من تغرب عليه الشمس لجرمي فبعدله، وإن يك ظني صادقي (?) فسينخدع لي انخداع ذوي الإنعام، ويتغابن في صمتي عن (?) غيجابه تغابن الكرام، بأريحيته اللدنة الأعطاف،