قبض بقايا الخراج والنفقات، ولم يحس بما دبر عليه وعلى صاحبه. فلما وصل المظفر سرقسطة، وطرفة مرتقب قدوم مولاه على مقربة منها، دخل في أبهته وتعبئته وصار إلى قصر مولاه مدلا بمنزلته، فعدل به عن مجلسه ولم تقع عين المظفر عليه، وقيد لوقته، وأخرج إلى الجزائر الشرقية، فلم يكن بين دخول سرقسطة أمير وخروجه عنها أسيرا إلا ساعة. وأتخذ الناس حديثه عجبا، ثم انفذ المظفر إلى الحضرة بضم عبد الملك الجزيري إلى المطبق بالزاهرة، وكتب عيسى الوزير إلى مفرج العامري والى عبد الملك بن مسلمة، وكانا من أعداء ابن الجزيري، وحرضهما على ابادته، فأدخل عليه في مطبقه قوم من السودان وخنقوه، وأشيع موته، وأخرج ميتا بعد أيام، وأسلم إلى أهله ولا اثر به، ودفن في شوال سنة أربع وتسعين. فصرع منه - رحمه الله - يومئذ فارس نثر ونظام، ومزق بقتله وشي الكلام، وكان يشبه في ذكاه وأدبه مع عقربية الطبع، وكثرة الضر وقلة النفع، محمد بن زيات في ذلك الصقع. اخبرني ابن خلف بن حسين قال: سألت الذي تولى قتل ابن الجزيري في محبسه فجعل يصف لي سهولة ما عاناه منه لقضافته وضعف أسره ويقول: ما كان الشقي إلا كالفروج في يدي. دققت رقبته بركبتي فما زاد ان نفخ في وجهي. فعجبن من جهل هذا الأسود.