على الشيخ أبي فلان، وهذا خطه، فأخذه المنصور من يده خوفا أن يفتحه، وقال له: إن كنت رأينه كما تزعم فعلام يحتوي - قال: ورأسك لقد بعد عهدي به ولا أنص به شيئا، ولكنه يحتوي على لغة منثورة لا يشوبها شعرا ولا خبر. فقال له المنصور: أبعد الله مثلك! فما رأيت الذي هو أكذب منك. وأمر بإخراجه وأن يقذف بكتاب " الفصوص " في النهر، وفي ذلك يقول بعض شعراء العصر:
قد غاص في البحر كتاب الفصوص ... وهكذا قل ثقيل يغوص فجاوبه صاعد بقوله:
عاد إلى معدنه إنما ... توجد في قعر البحار الفصوص قال ابن بسام: وما أحسب أن أحد يجترئ على إخراج تصنيف، وإبداء تأليف، يضيق عنه التعديل، ويدفع في صدره النقد والتحصيل، لا سيما وأن صاعد علم أن قرطبة - حسب ما ذكرنا - ميدان جياد، وبلد جدال وجلاد، ولكنه أشترط غير المشهور، فلم يظفروا منه بكثير، وأعانهم هو على نفسه بما كان ينفق به من تنحله وكذبه. ولم يكن عند ابن أبي عامر تحرير ولا بصر بالنقد مشهور؛ وإلا فليس يحلو كتاب " الفصوص " المذكور من غريبة مسموعة، ولا من فائدة رائقة بديعة، ولكنه خبر وجدناه فنقلناه.