رميته فأصميت، وحدس أملته فما أشويت! أبديت بهما وجه الجلية، وكشفت عن غرة الحقيقة، حين لمحت صاحبك الذي تكسبته، ورأيته قد أخذ بأطراف السماء، فألف بين قمريها، ونظم فرقديها، فكلما رأى ثغراً سده بسهاها، أو لمح خرقاً رمه بزباناها، إلى غير ذلك. فقلت: كيف أوتي الحكم صبياً، وهز بجذع نخلة الكلام فاساقط عليه رطباً جنياً - أما إن به شيطاناً يهديه، وشيصباناً يأتيه؛ وأقسم أن له تابعةً تنجده، وزابغةً تؤيده، ليس هذا في قدرة الإنس، ولا هذا النفس لهذه النفس. فأما وقد قلتها أبا بكر فأصخ أسمعك العجب العجاب:
كنت أيام كتاب الهجاء، أحن إلى الأدباء، واصبوا إلى تأليف الكلام، فاتبعت الدواوين، وجلست إلى الأساتيذ، فنبض لي عرق الفهم، ودر لي شريان العلم، بمواد روحانية؛ وقليل الالتماح من النظر يزيدني، ويسير المطالعة من الكتب يفيدني، إذ صادف شن العلم طبقة. ولم أكن كالثلج تقتبس منه ناراً، ولا كالحمار يحمل أسفاراً. [فطعنت ثغرة البيان دراكاً، وأعلقت رجل طيره أشراكاً، فانثالت لي العجائب، وانهالت على الرغائب] . وكان لي أوائل صبوتي هوىً اشتد به كلفى، ثم لحقي لعد ملل في أثناء ذلك الميل. فاتفق أن مات من كنت أهواه مدة