سهلاً يخادع للرشيد ملكاً، ويدبر له حرباً، ويعاني له إطفاء جمرة فتنة، مستضلعاً في ذلك كله بعقله، وجودة علمه، لرأى أن تلك السياسة غير تسطير المقال، في صفة غراميل البغال، وغير الكلام في الجرذان، وبنات وردان، ولعلم أن بين العالم والكاتب فرقاً.

وفي فصل له: ومن دليل تقصير عصابة المعليمن أنهم لا يقدومون أن يجعلوا ما يحملون من المعرفة تصنيفاً، ولا تغزر مادتهم أن ينشئوها تأليفاً، وإنما تفسو به أنفاسهم فسواً بين تلاميذهم، ولا يقدر أن يزيد في النفخ فيضرط به ضراطاً يسمع. فهم في ذلك أمثال الجنادب، وقرناء الخنافس لا توازن الظربان في قوة فسائه، وإن زادت عليه في نتنه، ولا يبلغون درجة الحمار الوحشي في شدة ضراطه، وإن شاركوه في اسمه، ولا تروى لهم نادرة، ولا تؤثر عنهم في البلاد شاردة.

قال: ومما علم من خلق هذه العصابة إذا لمحتنا أبصارهم قابلونا بالملق، وهم منطوون على حسد وحنق. فإذا جمعتنا المحافل، وضمتنا المجالس، تراهم إلينا مبصبصين، وعن الأخذ في شيء من تلك المعاني زائغين. وإنما يتبين تقصير المقصر، وفضل السابق المبرز، إذا اصطكت الركب، وازدحمت الحلق، واستعجل المقال، ولم توجد فسحة لفكرة، ولا أمكنت نظرة لروية؛ أو في مجالس الملوك عند أنسها وراحتها، فإنه يقع فيها، ويجري لديها، ما لا ينفع له الاستعداد، ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015