الأشراف، واستحسنوا من ذلك قول ابن صفوان في شبيب: ليس له صديق في السر، ولا عدو في العلانية.

وفي فصل له: قال أبو عامر: وكما أن لكل مقام مقالاً، فكذلك لكل عصرٍ بيان، ولكل دهرٍ كلام، ولكل طائفةٍ من الأمم المتعاقبة نوع من الخطابة، وضرب من البلاغة، لا يوافقها غيره ولا تهش لسواه. وكما أن للدنيا دولاً، فكذلك للكلام نقل وتغاير في العادة. ألا ترى أن الزمان لما دار كيف أحال بعض الرسم الأول في هذا الفن إلى طريقة عبد الحميد وابن المقفع وسهل بن هارون وغيرهم من أهل البيان - فالصنعة معهم أفسح باعاً، وأشد ذراعاً، وأنور شعاعاً، لرجحان تلك العقول، واتساع تلك القرائح في العلوم. ثم دار الزمان دوراناً، فكانت إحالة أخرى إلى طريقة إبراهيم بن العباس ومحمد بن الزيات وابني وهب ونظرائهم، فرقت الطباع، وخف ثقل النفوس. ثم دار الزمان فاعترى أهله باللطائف صلف، وبرقة الكلام كلف، فكانت إحالة أخرى إلى طريقة البديع وشمس المعالي وأصحابهما.

وكذلك الشعراء انتقلوا عن العادة في الصنعة بانتقال الزمان، وطلب كل ذي عصرٍ ما يجوز فيه، وتهش له قلوب أهله، فكان من صريع الغواني وبشار وأبي نواسٍ وأصحابهم في البديع ما كان، من استعمال أفانينه والزيادة في تفريغ فنونه. ثم جاء أبو تمام فأسرف في التجنيس، وخرج عن العادة، وطاب ذلك منه، وامتثله الناس، فكل شعر لا يكون اليوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015