قد استهتر على الفلوس، واستهلك على التدليس، وصار في ذلك وضح النهار، ونفخة المزمار؛ لو لمس البدور لعادت زيوفاً، أو تناول الشموس لغشاها كسوفاً، وقصدته يوماً، على جهل بتلك الخليقة منه، لأستريح إليه، وألقي من شيئي عليه، فألفيته قد خلا بابه، وغاب بوابه، فولجت فثار إليّ صبي غرير أصبته هنالك قائلاً لي: طال انتظارنا لك! وتقدمني وسرت حتى انتهيت إلى دار ذات أجوان، قد غشيها دخان، كقطع العنان، تعبق منها صنان، من زرنيخ وكبريت، وزنجفور وأنزروت؛ فتذكرت {يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس، هذا عذاب أليم} (الدخان: 10، 11) فاستشعرت الشر، وأردت الفر، ثم التفت فإذا أنا بأكداس جمر، وآلات تبر، وأشخاص سود وصفر؛ ثم أفضيت إلى بيت فيه عدة أشباح، كأنها قباض الأرواح، غرابيب، بأيديهم كلاليب؛ رزادق قد تقلدت مطارق؛ فلما رأونى صاحوا: فضحكم الواغل، فامحقوه من عاجل؛ فلما نظرت إلى امنية، وخشيت فصل القضية، ضحكت إليهم وقلت: تخطتكم النعمة، ولا هديتم سبيل الحكمة، أهكذا تعجلون، ولا تدرون من تريدون - قالوا: ومن أنت - قلت: من أخذ الطلق، فسحقه بالمدق، وشق بيد الذكاء، عن زهرة الأشياء، فبشر الآباء بالأبناء. فقالوا: بنار أم بماء - قلت: بهما جميعاً وبهواه. فأمضوا إليّ ضاحكين، واستقبلوني معتذرين، وقالوا: كدت والله أن تلتهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015