لهذا وجدت أن تحقيق الذخيرة على صعوبته أمر ضروري، وأخص منها القسمين الثاني والثالث، وما تبقى من القسم الرابع؛ فهذا هو القدر الذي لم يظهر من الكتاب مطبوعاً حتى اليوم؛ وقد بدأت التحقيق بحسب وفرة الأصول الخطية لكل قسم، وكان القسم الثالث أوفرها حظاً، ويليه في ذلك القسم الثاني، ولهذا عملت في تحقيقهما بهذا الترتيب، مرجئاً النظر في القسم الأول، لأنه قد طبع وتداولته الأيدي منذ زمن؛ ولكن رغبة الدارسين في أن يروا جميع أجزاء الذخيرة محققة بكاملها متناسقة في اكتمالها متجانسة في سماتها العامة المشتركة ألزمتني بإعادة النظر في هذا القسم الأول؛ وهكذا كان.
وأبادر لأقرر مخلصاً أن أعضاء اللجنتين اللتين تولتا هذا العم تحقيقاً وإشرافاً قد بذلوا في إخراجه من العناية ما يستحق كل تقدير؛ أقول هذا وأنا قد اطلعت على أصول الذخيرة ووقفت على مدى ما فيها من صعوبة ناشئة عن حال النسخ نفسها، وعما فيها من كثرة الخلافات في القراءة؛ ومن التفاوت الشديد بين ما تثبته نسخة وما تثبته أخرى، ومن تعرض بعض تلك النسخ لتدخل أيد وأقلام أخرى في سياقها غير يد المؤلف وقلمه. فإذا أضيف إلى ذلك أنني على ما بذلت من محاولات ودراسات لم أستطع أن أزيد على الأصول التي اعتمدتها اللجنة السابقة في تحقيق هذا القسم الأول، وجد القارئ أن النص لم يبتعد كثيراً عما جاء عليه في الطبعة السابقة، وإن كنت أقدر أن تفاوت النسخ، سيكون مدعاة في المستقبل إذا تم كشف شيء منها مجالاً لزيادات مفيدة ولقراءات جديدة.
ومهما يكن من شيء، فإن عدم توفر أصول جديدة لم يوقف بذل الجهد في اتجاهات أخرى، وأرجو ألا يؤخذ قولي مأخذ الدعوى حين أقول أنني قد منحت هذه الطبعة مميزات كثيرة: فقد صححت عدداً غير قليل من أخطاء القراءة، وعرفت بالأعلام والأماكن حيث كان ذلك ضرورياً، وشرحت لألفاظ التي تتطلب شرحاً وخاصة بعض المصطلحات الأندلسية مثل حنبل