يؤنس لبقائها، ويعشى إلى أضوائها، فاختلسته المنية، وفجعت به الدنيا الدنية، فمن شأنها أن تذهب بالأفاضل، وتخيم على الأماثل؛ نقله الله إلى رضوانه، وحفه بغفرانه، وأحسن العزاء عنه، وان عز العوض منه.
وأما عهدنا فقد درس منه العهد، بخطوب يتمنى معها الفقد: بلاد لحقها التغيير، واستولى عليها التدمير، وأكلت الجوعة بنيها، وتعطل الشرع والدين فيها؛ فلا صلاة تجمع، ولا منبر يرفع، والكل ناهل، وفي حوض الردى ناهل، فلينح على الإسلام نائح، وليجبه صدى من جانب القبر صائح.
وهذا محلول من شعر لتوبة بن الحمير، ويتعلق بذيله خبر رواه أبو عبيدة قال: إن ليلى الأخيلية مرت مع زوجها في بعض نجعهم بالموضع الذي فيه قبر توبة، فقال لها زوجها: لا بد أ، أعرج بك إلى قبره كي تسلمي عليه، وأرى هل يجيبك صداه كما زعم حيث يقول:
ولو أن ليلى الأخليلية سلمت علي ودوني جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدى من جانب القبر صائح
فقالت له: وما تريد من رمة وأحجار - قال: لا بد من ذلك، فعدل بها عن الطريق، فلما دنت راحتها من القبر ورفعت صوتها بالسلام