وتألف الشارد، وفدح الحاسد، وقهر العدو المكايد، وهو ابن ذي النون قريب على البعد، وحاله عنده جديد على قدم العهد. فلما مات يحيى بن ذي النون صفت مساربه، وخلا له جانبه، وضعف عنه طالبه، وكان خليقا بسموه، مهيبا في صدر عدوه، طاول الجبال بالآكام، وفل السيوف بالأقلام، متشبها في مخالصة الإمارة، من خصاصة الوزارة، بأبي الحزم بن جهور، فتم له من ذلك ما نيف على المراد، وأطال غم الأعداء والحساد، واجتمع عنده من سعة المال، وفخامة الحال، ونضرة الإقبال، وآلات الجلال، ما سار في البلاد، وقصر عنه كثير من الأشكال والأضداد.
ومن أعجب ما هيأ له الزمان، وأغرب ما سارت عنه به الركبان، أن ابن هود لما سما إلى دانية فورد صفوتها، واقتعد ذروتها، فيل أهل بلده رأيه، وعجزوا سعيه، في قصوره عن بلنسية، إذ كانت أدنى لمن يريدها، وأجنى على من يستفيدها، لوفور غلاتها، وتمام أدواتها، واعجاز خواصها وذواتها، ولخلوها عندهم من ملك يفي