بشعرات أغضت علالك كسوفاً، وقلبت ديباجك صوفاً، وأعادت نهارك ليلاً، وناحت عليك تلهفاً وويلاً، وأطار حمامك غرابها، وحجب ضياءك ضبابها؛ فصار عرسك مأتماً، وعاد وصلك محرماً:
وبت مداماً تسر النزيفا ... فأصبحت تجرع خلا ثقيفا
وصرت حجازاً جديب المحل ... وقد كنت للطالب الخصب ريفا أقبلت تنسل إلينا لواذاً، وتطلب منا عياذاً، قد أنساك ذل العزل عز الولاية، وأولاك طمعاً نسيانناً تلك الجناية، أيام ترشقنا سهام ألحاظك رشقاً، وتقتلنا سيوف ألفاظك عشقاً؛ وتميس غصناً، فتثير حزناً، وتطلع شمساً، فتغيب نفساً، خدودنا أرض نعالك، وصدورنا حد مجالك، ونفوسنا مهاد خبك، وقلوبنا ميدان حربك؛ فالآن نلقاك بدمعٍ قد جف، ووجد قد كف، وعزاء قد أيد، وصبر قد غار وأنجد، وهوىً قد أراح رواحله، وأطاع عاذله، وسلو قد قرب ركائبه، واسعد طالبه؛ وننظر منك إلى روضٍ قد صوح، وسار قد أصبح، وأعجم قد أفصح، ومبهم قد صرح؛ فلا شك وقد رفع الغطاء، ولا إفك وقد برح الخفاء، ولا لوم وقد وقع الجزاء؛ فهلا ذكرت المثل الممتهن: الصيف ضيعت اللبن، ونسيت من أحرقت قلبه صداً، وأقلعت خلبه رداً؛ وملأت حوانحه ناراً، وتركت نومه غراراً؛ أن يوفيك قرضاً، ويجازيك حتى ترضى، حين نكس علمك