مشفقٍ يستجيب لي من قريبٍ ... وأنا أستغيثه من بعيد
لو أطلت علي رحمة عيني ... هـ انجلت شدتي وذاب حديدي قال ابن بسام: فصدرت هذه الأشعار، يومئذ عن ابن عمار، وهو في قيود الحديد، وقالها على البديه والارتجال، في تلك الحال، من شدة الاعتقال، وبالٍ يناجيه البلبال، قد تيقن أنه لا يفلت، ولا ينظر إلا إلى عدو يشمت، والموت يلاحظه من حيث لا يلتفت، إذ كان المعتمد قد أحضره في تلك الحال غير ما مرة بين يديه، ويعدد ذنوبه عليه، ولو قال كل قصيد ورواه حولاً كاملاً، في أكن ودعة، وفرط شهوة أو شدة حمية وعصبية، لما زاد على ما أجاد، فكانت هذه القصائد القلائد، مع ما تشتمل من البدائع الروائع، رقىً لم تنفع، ووسائل لم تنجع، وإذا سبق القدر، فلا ورد ولا صدر. [83أ] .
أخبرت عمن صحب الراضي في وجهته يومئذ من شقورة وكان ممن رقب على ابن عمار، فجعل يكلأوه في طريقه، خوفاً على نفسه ومراعاةً أيضاً لسالف حقوقه، فلما انتهى إلى قرطبة وسلم للقصر، دعي ذلك الرجل مع أصحابه بعد العصر، في سلاح شاكٍ وتعبئة ظاهرة ليصحبوه إلى إشبيلية، فبينما هم عند باب السدة ينتظرون إلى أن يسلم إليهم ابن عمار، وقد انسلخ النهار، إذ أوجسوا نبأةً، فإذا المعتمد قد خرج والشمع بين يديه