ذميم هذا الاختيار، فهجر أحد أبويه أو كليهما، وقد علم أن طلب الجنة تحت قدميها، ففضله النوع البهيمي بقفو أثر مرضعه، وقد غني عن رضاعها، وزاد على خطوة باعها، وتبرأ منه الجنس الإنسي بموجب عقله، ومقتضى دليلي برهانه عن الله تعالى ونقله، فلا هو من البشر في شكر المحسن إليه، ولا من البقر في إلف القائم ولا من الشجر، بل هو أقسى من الحجر، {وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء} (البقرة: 74) فيكون بإذن الله موردا، وتلطف منه الأجزاء فيكحل إثمدا.
وقد لعمري منيت بهذا النوع من الولد، وكمدت به أبرح كمد، واشتغال نفسي بقسوه، بعد حنوه، وببعده بعد طول دنوه، مزج شكيتي، بالبسط لأمنيتي، حتى هرفت بما لم أعقد عليه نيتي، ولا قصدته في هذا المقام برويتي: كالهارف: " اصبحوا الركب أغبقوا الركب "، والهارفة: " زوجوني زوجوني ".
إن اللسان على الفؤاد دليل ... والله يحسن فيه العزاء حيا، ويطوي بيد السلو نهجي بهذه الشكاية طيا، حتى أنساه، ولا أعرفه حين أراه، وفراستي في سواه، أصدق من نار الفرس في الصدق، وأبصر في ظلمة الاشتباه من طالع الأفق.