أمّا بعد فإنَّ الصُّلْحَ بقاءُ الآجال، وحفظ الأموال، والسلام. فلمّا سمع القوم ذلك تعانَقوا وتَواهبوا الدِّيات. وكتب سَلْمُ بن قتيبةَ بنِ مسلم إلى سعيد المُهلَّبي لما تحاربا بالبصرة:
خُذوا حَظَّكُمْ مِنْ سَلْمِنا إنَّ حِزْبَنا ... إذا زَبَنَتْه الحَرْبُ: نار تَسَعَّرُ
وإنّي وإيّاكم على ما يَسوؤُكُمْ ... لَمِثْلانِ أو أنْتُمْ إلى الصُّلْحِ أفْقَرُ
وقال حكيم: دافع بالحرب ما أمكن، فإنّ النفقةَ في كل شيءٍ من الأموال، إلا الحرب، فإنّ النفقة فيها من الأرْواح، عِلاوةً على الأموال.
وقال النابغة الجَعْديُّ:
وتَسْتَلِبُ المالَ الذي كانَ ربُّها ... ضَنيناً بهِ والحَرْبُ فيها الحَرائِبُ
وقد تبعه أبو تمام فقال:
والحَرْبُ مُشْتقّةُ المَعْنى مِنَ الحَرَبِ
الحَرَبُ: أنْ يُسْلبَ الرجلُ مالَه
وقال شاعر يُسمى حلحَلةَ بن قيس الكناني:
دَعاني أشُبُّ الحَرْبَ بَيْني وبينَه ... فقلْتُ له: لا، بلْ هَلُمَّ إلى السَّلْمِ
وهَلا عَنِ الحَرْبِ التي لا أديمُها ... صَحيحٌ وما تَنْفَكُّ تأتي على سُقْمِ
فإنْ يَظْفَرِ الحِزْبُ الذي أنْتَ مِنْهُمُ ... وآبوا بِدُهْمٍ مِنْ سِباءٍ ومِنْ غُنْمِ